الجزائر

التوأم "رمزي وهاني" هزّ الجزائر و"الحسن والحسين" شغلاها



التوأم
حكايات التوائم في العالم هي مسلسلٌ بلا نهاية، فيها من الإثارة والغرابة والطرافة وحتى من التراجيديا، ما يكفي لأن يكون عالما قائما بذاته، كتبنا وروينا عنه دائما، ولكنه في كل مرّة يزيدنا من قصصه العجيبة، فما بالك وقد ارتفع عددُهم في الجزائر، وصار مدينة كاملة، تضخ في كل عام مالا يقل عن 25 ألف توأم جديد حسب آخر الإحصاءات، والرقم مرشح للارتفاع، حيث بلغ رقم الأزواج العقيمين الذين لا يمتلكون ولدا واحدا 300 ألف زوج يبذلون النفس والنفيس، لأجل إنجاب الخلف، فيلجؤون جميعا من دون استثناء، إلى تقنيات المساعدة الطبية التي تمنح في حالة نجاحها في الغالب توائم، وهذا ما رفع رقم التوائم في الجزائر إلى رقم قارب الربع مليون إضافي في العشر سنوات الأخيرة، فبعد أن كانت الجزائر تعدّ في ستينيات وسبعينيات إلى غاية ثمانينيات القرن الماضي ثلاثة بالمئة من توائم الولادات الجديدة، انتقلت الجزائر في السنوات العشر الأخيرة إلى معدلات ولادة في السنة بين 320 ألف إلى رقم 360 ألف، من بينهم هذا الرقم المحترم البالغ 25 ألف توأم، ما يعني أن "شعبا" من التوائم يسكن الجزائر في الوقت الحالي، ويمكن لأي جزائري في أي منطقة من البلاد أن يرى التوائم في حيّه، في المدرسة وفي المسجد، بعد أن كانت الظاهرة استثنائية.تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب عبر العلاج بالهرمونات لدى النسوة، بالرغم من متاعبها الصحية والمادية، غيّرت رقم التوأم الثنائي إلى الثلاثي والرباعي وحتى الخماسي، فقد شهدت عيادة القبة بالعاصمة التي هي ملجأ حوامل التوائم، عام 2008 دخول سيدة في السادسة والعشرين من العمر العيادة، وكان بطنُها متخما بثمانية توائم، فتوفي جنين في رحم أمه، ومات الثاني أثناء عملية الولادة، كما فوجئت سيدة عندما أعلن لها الطبيب الخاص بوجود 11 جنينا في بطنها، وكان واضحا أن الأمر غير عادي وخطير على صحة الأم التي فقدت أجنتها قبل أن تبلغ شهرها الرابع من الحمل، ومع ذلك يوجد حاليا ما لا يقل عن عشر عائلات لها خمسة توائم يملؤون دنياهم في الجزائر. التوأم الملتصق "زكاة" و"سلسبيل" ووعدُ سلاّل عندما أخبر الطبيب بعد إجرائه لأشعة الإيكوغرافيا السيدة صوفيا صالحي، بأنها حامل بتوأم ابتسمت وأسرعت لزف البشرى لزوجها، ولكنها فرحة كانت مؤقتة، بعد أن فجّرتها حقيقة التصاق هذا التوأم السيامي، الذي ينتظر الفرج في بحر من الوعود فقط.وقد مرّت الآن أيامٌ على فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالعهدة الرابعة، وبدأت الأعناق تتطلع لتحقيق الوعود الكثيرة التي تهاطلت، بالخصوص من رئيس حملته السيد عبد المالك سلال، ولكن سكان ولاية ميلة يريدون وعدا واحدا وهو نقل التوأم السيامي الملتصق "سلسبيل" و"زكاة"، إلى الخارج للعلاج بعد أن وعد الوزير الأول السابق أمام الملأ بتكفل الدولة بقضية هذا التوأم البالغ من العمر ست سنوات، ولكنها جميعا سنوات شقاء وعذاب لهما ولوالديهما القاطنين في بلدية وادي العثمانية في ولاية ميلة، والد التوأم السيد عيسى مقران، لم يتذوّق فرحة الابتهاج بتوأميه أبدا، أما والدة التوأم "سلسبيل" و"زكاة" فهي كما تقول أشقى الأمهات على الإطلاق، كانت تحلم بتوأم مرح يملأ الدنيا، يلعب ويدرس، ولكن السنوات أذاقت السيدة صوفيا صالحي المرّ منذ أن وضعت ابنتيها في عيادة الولادة بسيدي مبروك بقسنطينة، فهل يحقق سلال وعده ويمنح للتوأم الصغيرتين "سلسبيل" و"زكاة"، جمال الحياة بعد فصلهما عن بعضهما، وقد بلغتا من العمر ما يجب أن تكون كل واحدة بذاتها.. أم...؟ أول توأم كفيف اجتاز البكالورياتميّزت بكالوريا جوان 2013 بحدث فريد من نوعه في الجزائر وفي عاصمة الأوراس باتنة على وجه التحديد، عندما كان ضمن المترشحين شابان ليسا ككل الشبان؛ فهما توأم وكفيفان يحفظان عن ظهر قلب هذا البيت "لا تقل إني معاق مدّ لي كفّ الأخوة _ ستراني في السباق أعبر الشوط بقوة". هما الحسن والحسين فروج. دون كل الطلبة، لم يتمكنا من الدروس الخصوصية بسبب الإعاقة، واكتفيا بالدراسة في ثانوية الشهيد عباس لغرور بباتنة، وجدا صعوبة في مواد الإنجليزية والفرنسية والرياضيات والفلسفة، وهي مواد أساسية بالنسبة لطلبة شعبة الآداب والفلسفة التي ينتميان إليها، في غياب الكتاب المدرسي والوسائل البيداغوجية الخاصة بالمكفوفين، كانا يقضيان جزءا من الليل يعيدان ما درساه في الثانوية، في محاولة للحفظ سويّا، وفي يوم ظهور النتائج صُدم الحسن بفشله بينما حقق توأمه الحسين النجاح، وأذهل هذا التوأم الجميع في يوم الإعلان عن النتائج، فقد كان الحسين حزيناً لأن شقيقه لم ينجح، وكان الحسن فرحاً لأن توأمه نجح، وتتواصل الرحلة الآن لأن التوأم الناجح ينتظر التحاق شقيقه الذي سيجتاز البكالوريا مع بداية جوان 2014 .والد الحسن والحسين الذي اشتغل في الخياطة، أعطاه الله خمسة أبناء من المكفوفين، وعندما صاح التوأم كان يمني نفسه أن يكونا بصيرين، ولكن القدر أراد لهما بصيرة نورية فقط، قارب الآن سن السبعين وبعد أن ساعد أبناءه، لم يعد قادرا الآن، ويرجو أن لا يغادر الدنيا من دون أن يطمئن على توأمه الذي لم يتفارق أبدا منذ ولادتهما ولكن البكالوريا فرقتهما، وحسن يصرّ في بداية جوان القادم على النجاح وأن يردّ المياه إلى مجراها الطبيعي بالنجاح والالتحاق بشقيقه، وحتى في الانتخابات الرئاسية السابقة سألنا الحسن عن وجهته فقال: أنا وشقيقي الحسين لا دخل لنا في السياسة. مشاكل رجل رزقه الله بخمسة توائمحالة العايش خلفاوي ابن مدينة تبسة تختلف كلية عن كل الناس، فقد شرب المر عندما حكم الأطباء على زوجته بالعقم، ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى بشّره الأطباء بحمل زوجته. العايش الذي حلم بطفل واحد اكتشف أنهم خمسة، تنقل إلى عيادة القبة بالعاصمة، وهناك نسي أنه يسكن مع والده وأنه بطال، ثم عاد إلى بيته رفقة توائمه الخمسة، الذين كانوا في صحة جيدة، كان العايش يقرأ عن التكفل الرسمي من رؤساء وملوك البلدان الغربية بالتوائم النادرين، فراح يدق الأبواب ويعتصم ويحتج، بحثا عن دعم من السلطات، ولكن والي تبسة تابعه قضائيا بتهمة "إزعاج السلطات" بتوائمه حيث طالب محامي والي الولاية، بتغريمه بعشرة ملايين سنتيم، وتم الحكم عليه بثلاثة أشهر غير نافذة، بتهمتي "التحريض على التجمع" و"ترك أطفال صغار في مكان عمومي"، غير خال من الناس من طرف إحدى الأصول. السيدة وداد خلفاوي، التي ستحتفل في ماي القادم بعيد ميلاد توائمها الخمسة، وجد المساعدة من والدة زوجها، ففي 21 ماي من عام 2012 أطل على حياتها التوائمُ الخمسة، فاختارت للذكور أسماء جواد ومعاذ وإياد، وللبنتين اسميْ شيماء وآية، ليدخل بعد ذلك والدهم في صراع قضائي مع والي الولاية، انتهى بثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، السيد العايش الذي بدأ يفكر في عيد ميلاد أبنائه الثاني قال إنه حزن عندما أخبره الأطباء بصعوبة إنجاب زوجته، وهو حزين الآن برغم هذا "الجيش" من الأبناء التوائم. هلاك التوأم هاني ورمزيلم يحدث في تاريخ الجزائر، وأن أحزنت حادثة كل الناس، كما حدث منذ سنتين في قرية الفوارة بولاية تبسة، عندما توفي التوأم هاني ورمزي البالغين من العمر 12 سنة في حادثة درامية هزت مشاعر الناس. كان التوأم هاني ورمزي تحفة من المرح يملئان بلدية مرسط بشقاوتهما، عاد والدهما غاضبا إلى البيت ذات خميس، بعد أن بلغه من معلمهما في المدرسة كثرة غيابهما وحبهما للعب مثل كل الأطفال، فعاقبهما كما يفعل كل الأولياء، فكر التوأم قليلا وقرّرا المغامرة، خرجا من البيت ولم يعودا، كان يوما باردا عندما تنقلا إلى منطقة صخرية مليئة بالأحراش وأيضا بالذئاب والضباع والخنازير، فقدا خارطة العودة وأسدل الليل ستائره، ظل والدُهما عمي عمار البالغ من العمر 52 سنة يبحث عنهما ويؤنب نفسه تارة ويسائل الليل أخرى، لقد عاش في 13 مارس من عام 2000 أسعد يوم في حياته عندما أطل على حياته هذا التوأم بعد صبر جميل لأنه والد ابنة معوقة، ولم يكن يتصور أن الذي أعطاه التوأم في لحظة سيأخذهما أيضا في لحظة، اهتز الوالد في صباح اليوم الموالي على خبر هلاك التوأم، رافق رجال الدرك إلى الجبل ووجدهما جثتين هامدتين مثل الملكين يحتضنان بعضهما البعض، بعد أن قتلهما البرد والجوع والخوف من عويل الذئاب هذا ما أكده التقرير الطبي الذي قدمه مستشفى عاليا بتبسة، لم يكونا يرتديان غير قميصين خفيفين، وأكد التقرير الطبي أن الحبال الصوتية للصغيرين أصيبت بما يشبه الحروق بسبب صياحهما، آه لو تزورون الآن مقبرة الفوارة وتشاهدوا قبريهما جنبا إلى جنب. مرت سنتان على رحيلهما ولكن قصتهما صارت أشبه بالأسطورة، أهل بلدية مرسط كانوا إذا سئلوا عن رمزي قيل لهم بأنه مع هاني، وإذا ضحك هاني علموا بأن رمزي أيضا ضحك، وهما الآن يرقدان إلى جنب بعضهما. قبل الحادثة في 13 مارس 2012 احتج هاني على لسان أخيه في عيد ميلادهما الثاني عشر، ولكن والدهما أفهمهما بأن العين بصيرة واليد قصيرة ووعدهما في عيد ميلادهما القادم بفرح مزدوج. ولكن يوم ميلادهما عاد ولكن هاني ورمزي كانا قد اختفيا.. عمي عمار حاليا مثل الهائم على وجهه، كان يكد ويقطع يوميا قرابة الستين كيلومترا من أجل عائلته وابنيه التوأم، فضاع حلم العمر وزادته خناجر الناس ذبحا إلى درجة أن سيدة من تبسة هاتفتنا وأخبرتنا بأنه رُزق بتوأم آخر، فتنقلنا إلى بيته فوجدانه يبلع الأسى وهو غير قادر على الحياة فما بالك بالإنجاب، وإلى حد الساعة مازال عمي عمار يبكي وهو يطلب من ابنيه العودة إليه "رمزي .. هاني ارجعا إلي لن أضربكما مرة أخرى".للأسف هذه الصيحة من دون رد ولا صدى. هكذا أضاعت الجزائر أهمّ توأم في العالمفي عام 2007 خلال تنظيم بطولة العالم للأواسط، في ألعاب القوى في بولونيا، فوجئ العالم في وجود عداءين جزائريين في الدور النهائي لسباق 1500 متر، وهي المنافسة الأكثر إثارة ومتابعة في أم الرياضات ألعاب القوى، وفوجئ عندما اكتشف أنهما أخوان من مدينة وادي سوف الصحراوية، ثم فوجئ أكثر عندما علم أن هذا الثنائي توأم، ويتعلق الأمر بالعداءين عماد طويل وتوأمه عبد المجيد طويل، وشدّ السباق النهائي انتباه العالم، وكان في السباق عداؤون إثيوبيون وكينيون وأمريكيون ومغاربة، وبقي التوأم عماد وعبد المجيد في المركز الأخير إلى غاية الدورة الأخيرة، عندما انطلق عماد بسرعة خرافية وتمكن من انتزاع اللقب العالمي، بينما بقي توأمه عبد المجيد، في المركز ما قبل الأخير الحادي عشر. ولاحظ الجزائريون بعد تتويج عماد باللقب وبالميدالية الذهبية، كيف أن عبد المجيد دخل في فرحة هستيرية أكثر من توأمه الفائز بالذهب، كما أن عماد منح ميداليته لشقيقه وقال إن شقيقه كان الأقرب إلى الفوز باللقب العالمي، لو لم يكن مصاباً. ولأن نور الدين مرسلي دخل ثالثا في بطولة العالم للأواسط، ثم أصبح بطلا عالميا، وحطم خمسة أرقام قياسية عالمية، فإن التفاؤل تضاعف ببطلين توأم في سباق صار من اختصاص الجزائر.. وللأسف مرّت عن ذاك التتويج الآن سبعُ سنوات وكبر التوأم وانطفأ، وللأسف أصيب عماد وأجبره الأطباء على الاعتزال ولحق به توأمه في جريمة كبرى لم تحرم الجزائر فقط وإنما العالم بأسره من توأم برز في بولونيا وما هناك في وادي سوف. الجزائر أحرزت في تاريخها الرياضي، أربع ميداليات ذهبية في سباق 1500 متر في الألعاب الأولمبية، وهي أكبر الانجازات في تاريخها، بواسطة حسيبة بولمرقة وبنيدة مراح ونور الدين مرسلي وتوفيق مخلوفي.. ولكن حلم التوأم طويل تبخر نهائيا.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)