الجزائر

التلقيب.. قاموس يدون فيه الشباب هواياته


هي ظاهرة ليست بالجديدة، فقد عرفها المجتمع منذ الماضي إلا أنها كانت بسيطة ويمكن تداولها، لأنها اقترنت بطبيعة عمل الشخص أو أحد تصرفاته أو عاداته، لكنها اليوم أخذت أبعادا أخرى ارتبطت ارتباطا وثيقا بالتغير التكنولوجي الحاصل والذي يؤثر بشكل كبير على تصرفات الشباب وأساليب تفكيرهم إنها ظاهرة التلقيب التي تجاوزت أسماء مشاهير الكرة والممثلين إلى أسماء لا معنى لها ووصلت إلى حد التلقيب بأشياء جامدة وأحيانا حيوانات أليفة وأخرى مفترسة، ورغم أن الأشخاص الملقبين بهذه الأسماء لا يكونون راضين دائما عنها، إلا أنهم يجدون أنفسهم مجبورون على سماعها يوميا إلى أن تكبر معهم ربما يراها البعض سلبية في حين يراها البعض الآخر إيجابية، خاصة إذا تعلقت بالوسامة أو بإحدى المهارات أو بالبنية الجسدية القوية، إلا أن آراء المختصين تختلف عن الآراء المتداولة في الشارع .التلقيب هواية يتفنن فيها الشباب والمراهقون
مختصون يرون أنها ظاهرة طبيعية لإبراز الذات
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة إطلاق الشباب أسماء غريبة على بعضهم البعض أضيفت إلى قاموس العامية الذي يتفنن الشباب في إحداث التغييرات عليه بين الفترة والأخرى فيجعل من الألفاظ التي كانت محظورة في وقت ليس ببعيد ألفاظا متداولة في شارع لا يضع أي ضوابط لكلامهم،لدرجة تجعل الآباء والأجداد لا يفهمون الحوارات الدائرة بين الأبناء، وكأنهم يستعملون كلمات مشفرة لا يتقنها غير أقرانهم.
أحياء غريبة وأسماء أغرب
قد يستغرب بعضنا تلك الأسماء المستعارة التي يطلقها الشباب على بعضهم البعض في الأحياء التي أصبحت هي الأخرى تلقب حسب الظروف التي تطغى فيها خصوصا الشعبية، منها أحد أحياء عين النعجة بالعاصمة والذي يعرف بكثرة التغيرات التي تطرأ عليه وأحداثه اليومية المتجددة، ولهذا فضل شباب هذا الحي أن يطلقوا عليه إسم «حي حسان طيرو» نظرا لمشاكسات أبناء هذا الحي، وآخرين يطلقون عليه «دار السبيطار» بسبب المشاكل التي تحدث بين سكانه، أما عن شباب الحي فقد استنبطوا أسماء تعكس شكل صاحبها أحيانا، وشخصيته أو مهنته أحيانا أخرى، وفي بعض المرات يكفي أن يصدر منه سلوك معين أو كلمة واحدة لتكون هي اسمه الجديد. «محمد» أحد هؤلاء، عرف في حيه باسم «الجابوني»، لأن شكل عينيه يشبه أعين اليابانيين، وهو يفتخر كثيرا بهذا التلقيب. «أمين» هو الآخر يلقب ب»بانشو»، لأنه طويل ك»بانشو» الشخصية الممثلة في الرسوم المتحركة، «سمير» يلقب ب»براكودا»، لأن له بنية قوية، ونفس الشيء بالنسبة ل»فريد» الذي يعرف ب»رومبو «، «اسماعيل» أصبح يسمى ب»الغول»، لأنه فض الطباع، «أحمد» وجدوا له اسم «الدفرا»، لأنه كثير الطلب على العملة النقدية من قيمة 10 دينار، أما «محمد» فيعاني من ظروف اجتماعية صعبة جعلت أبناء حيه ينادونه ب»لاميزار»، ويقابله «كريم» «لاتشيشي»، أما «خالد» فهو معروف ب»خالد الدورو»، لأنه شديد البخل، سعيد يعرف ب»الماصو» رغم أنه ترك مهنة البناء منذ أكثر من ثماني سنوات، أما «رضا» فيلقب ب»وضا»، لأنه لا ينطق حرف الراء جيدا، والقائمة لاتزال طويلة حتى لا يكاد أحد من شباب هذا الحي ينادى باسمه العادي.
شباب يلقبون بألقاب غير لائقة
علق بعض الأفراد على هذه الأسماء المحورة التي أطلقت عليهم لدرجة أنهم لازالوا يعرفون بها رغم أنهم تجاوزوا مرحلة الشباب، وهم الآن آباء لأطفال ورثوا بدورهم هذه الأسماء ،فهذا ابن فلان، وذاك ابن فلان، مما قد يشكل لبعضهم عقدة، من بين هؤلاء «مخلوف» صاحب ال46 سنة، من قاطني أحد أحياء عين طاية، عرف منذ صغره في حيه ب»مخلوف المهيبلة «وظل على الحال رغم كبر سنه لدرجة أن أحد أبنائه واجه مشكلا بسبب هذا، لأن أحدا قال له هذا ابن «مخلوف المهيبلة» فشعر بحرج شديد ما دفعه للتشاجر معه، ونفس الشيء لكمال «كاماتشو» الذي يقول «الكل يناديني بهذا الإسم حتى انتقلت العدوى لإخوتي في البيت، وقد ألفت هذا الاسم لدرجة أنني أكاد أنسى اسمي الحقيقي».
حاولنا الاقتراب من بعض هؤلاء الشباب لمعرفة رأيهم في الأسماء التي تطلق عليهم وإن كانوا يستحسنون الأمر، أم يستهجنونه، فتضاربت الآراء بين مؤيد ورافض للألقاب التي أطلقت عليهم، إلا أن الأغلبية وجدت الأمر عادي ولا يشكل لها أي حرج، فهم تعودوا على هذه الأسماء التي لقبوا بها منذ أن كانوا صغارا، وهم يعرفون بعضهم جيدا ماداموا يقطنون نفس الحي منذ سنوات ولا مشكلة لهم في ذلك، بل يوجد من يفتخر باسمه المحوّر ويرى أنه يعكس شخصيته، وفي هذا السياق قال «محمد» الملقب «بالقرد» أنه وافد جديد على الحي ولم يمض عليه سنة، ولكن أبناء حيه ما لبثوا أن أطلقوا له تلقيبا جديدا ولا يدري لماذا هذا الإسم تحديدا، الأمر الذي وضعه في موقف حرج في كثير من المرات لدرجة التشاجر مع بعضهم. ولكنه تأقلم معه بمرور الوقت، فعلى ما يبدو يكفي أن ينادى أحدهم باسم محدد حتى يتم تداوله على ألسنة البقية بسرعة البرق، ويضيف «محمد» «في البداية كنت أعتبر الأمر «دصارى» وأنزعج منه كثيرا، ولكنني تعودت عليه، إلا أن هذا لا يعني أنني راض عن الوضع، خاصة وأنني شبهت بحيوان»، «لمين» هو الآخر لا يستلطف الأمر، خاصة وأنه يلقب ب»المكدد»، لأنه شديد النحافة.
أما عن سبب إطلاق هذه الأسماء، فيرى كثير منهم أن الأمر مجرد تسلية وأنهم يلعبون مع بعضهم البعض بحسن نية لا غير.
...وللنساء نصيب من هذه الأسماء المحورة
إذا كان الأمر هينا بالنسبة لشاب غير اسمه وأصبح يعرف به سواء كان يعكس قيمة ايجابية أو سلبية بالنسبة له، فكيف يكون انطباع المرأة إذا عرفت باسم مستعار؟، إن ظاهرة التلقيب لاتقتصر على فئة الذكور، بل حتى الإناث وهذا ما لاحظناه في عدة أحياء عرفت فيها نساء بأسماء خاصة، مثل «فتيحة اللمبوطة» التي حاولنا الوصول لأصل تسميتها، فلم نجد تفسيرا محددا له، إلا أن البعض علّله بكونها مزاجية ومعروفة بسلوكاتها الغريبة لدرجة أنها تجلس في مداخل العمارات كغيرها من شباب الحي، «نعيمة الكاميكاس» معروفة بسلوكاتها العنيفة وشجاراتها حتى مع الجنس الخشن، وفي أغلب هذه الحالات لا تتحرج مثل تلك الشابات اللاتي تعودن على هذا التصرف، وحسب ما قاله أحد أبناء حي الأخيرة أنهم لا يطلقون ألقابا على نساء عاديات، بل الأمر مقتصر على بعض الحالات الشاذة فقط.
...ولعلم الاجتماع تحليل للظاهرة
إن الملاحظ على هذه الأسماء أنها مستنبطة من شخصيات شوهدت في أحد الأفلام أو المواد الإعلامية الأخرى، مما جعلنا نرجح أن هذه السلوكات هي نتاج التعرض الإعلامي الكثيف. ومحاولة منا لإيجاد تفسير أدق لهذه الظاهرة، اتصلنا بالأستاذ «توفيق قطوش» أخصائي في علم الاجتماع والذي يرى أن هذه الأسماء قديمة، وكل فئة تستعمل نوعا من العلاقات فيما بينها حتى تعبر عن ذاتها ووجودها على أنها جماعة مستقلة، لذا يستعملون هذه التحويرات في الأسماء ليعبروا بها عن أنفسهم وعن وجودهم وقد انتشرت في المجتمع، منها ما هو جديد استعمل في إطار العولمة والرقمنة والهوائيات المقعرة، فهذه الحرب الإعلامية جعلت المواطن الجزائري حتى في القرى والمداشر يستطيع الاحتكاك بأكبر المجتمعات العالمية، وهم يتقنون تقنيات جديدة ك»الانترنت»، ومواقع التواصل الاجتماعي على غرار الفايسبوك،والتويتر، كل هذه العوامل أصبحت تتحمل مسؤولية التحويرات اللغوية بما فيها الأسماء.
وقد أضاف أن هذه الظاهرة السوسيولوجية موجودة في كل العالم، وما يميزها هو تأثرها بما هو موجود في الغرب، فتجد أسماء لأشخاص أجنبيين، كما يرى نفس المتحدث أن الأمر لا يقتصر على الأسماء فقط، بل حتى طريقة الكلام «فهي مستوحاة من كلام جديد لا تحسنه باقي فئات المجتمع من نساء وكهول وشيوخ، فهم لا يفهمون هذه الأسماء المحورة وهي عبارة عن علامات لا يفك رموزها إلا الشباب،وتعتبر تحقيقا للذات وتعبيرا عن مصالح و مشاريع وأهداف جديدة، فهؤلاء الشباب يأملون في تغيير واقعهم ويرون أنه حان الوقت لذلك، فهذه سنّة الحياة أن يكون الشباب هم أول من يبادر بالتغيير في أي مجتمع، وما هذه إلا مؤشراته، وكأنهم يطالبون أن يستلموا المسؤولية، وإلا اقتحموها بطرق أخرى كتشكيل جماعة أشرار مثلا وبالتالي فالشباب بهذه الأسماء يلبي حاجة نفسية ويطالب بضرورة اجتماعية، وإذا لم نعطهم إياها فقد يأخد الأمر أبعادا أخرى، لذا يجب أن ندرك أنهم يطالبون بلسان غير فصيح بتولي المسؤولية، فكل أب يجب أن يفرح لما يرى أن ابنه بلغ سن الرشد الذي هو سن التأثير في المجتمع وهذا يحقق الاستمرار، فالشباب له شحنة تدفعه لاقتحام الحياة».
وعن سؤالنا ما إذا كانت هذه الظاهرة مرضا نفسيا أو مؤشرا للانحراف. قال الأستاذ «قطوش» «إنها ظاهرة صحية، ليست بمرض، والذين يعتبرونها كذلك هم الذين يجهلون تاريخ المجتمعات، فهي موجودة في كل العصور وفي كل البلدان، ولكن الشيء غير الطبيعي هو عدم تفهم الجيل السابق لهؤلاء الشباب، فهم يرفضون تسليمهم المشعل، لأنه ليس من السهل عليهم أن يعترفوا بالجديد، والنتيجة تكون توليد ظواهر منها صراع الأجيال، تكوين جماعة أشرار، غياب قيم التضامن الاجتماعي».
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)