الجزائر

التفكيكية بين الانقلاب والشرعية في الحالة المصرية



التفكيكية بين الانقلاب والشرعية في الحالة المصرية
ما الذي يخضعني إلى الركون الطوعي، إلى رأي - مهما كثر مفكروه ومؤيدوه-، ما الذي يخضعني إلى الركون الطوعي إلى رأي مهما بدا عريقا، وقديما، وأصيلا، ولامعا، رأي يقف على الحافة، إزاء رأي مخالف له، إلى حد النقيض، محاطٍ بجماعة بشرية - أكثرية كانت أو أقلية -، تؤمن به، و«تقتنع" أنها تحمل من مبررات رأْيِيَّته وجدارته المنطقية، ما يكفي ليجعلها تضحّي لأجله - المبررات المنطقية هنا هي من مادة المنطق المُحَدَّد من وجهة نظر هذه الجماعة البشرية، سياسية كانت أو دينية أو غيرها-؟رأي لا نشك في أحقيته بقدر ما نشك في حقيقته؟
ما الذي يخضعني إلى الركون المطلق هنا؟ ما الذي يجعلني أحيّد مطلقَ التحييد، كل تلك الملابسات التي تغلف حججي وبراهيني الفكرية؟ ملابسة وجود الآخر النقيض - ظاهريا -، ملابسة كون أغلبِ ما أومن به، في مواجهة مكذب، ومستهتر، وشاك، ومقلل من المصداقية، وملابسة تعذر إقناع رأيي لمجموعة تقاسمني الكثير من المكونات الإنسانية؟
تتعقبني هنا عراقيل وهُوّات ومآزق منطقية، لعل أهمها هنا، هو الأولية، والأولوية، - في الحالة المصرية مثلا - من بدأ بالعنف، لا أطرح هنا الإشكال الذي يقع على مستوى القناعة الشخصية لشخص دون غيره من أي فريق كان، بل على صعيد واقع ينبي صراحةً بوجود تقاذف فعليّ بالتهم ولو على - أساس تلفيقي -.
من يمتلك صفة الأول إذن، الذي تنطلق منه العملية الكُليّة، السياسية، والتشريعية، وغيرها؟ ومن يمتلك أولوية البروز والتقدم، والتسلط، والكلام باسم.. دون غيره؟ هل يمكن أن يصل بنا البحث هنا إلى الوقوع على دائرة أولية، لا أول فيها ولا آخر، على الأقل هذا ما يطرحه النقاش الواقع.
ما الذي يخضعني إلى الركون المطلق إلى رأي دون غيره هنا؟ أليس تقديم الروح كقربان للفكرة والجماعة - لا أخص هنا باسم الجماعة جماعة الإخوان وحدها، بل الفِرَق كلها -، هو في حد ذاته، على الأقل على سبيل التسليم الجدلي والفرضية، هو بسبب الركون المطلق إلى: ... ولو عمليا؟
ما الذي يخضعني إلى الركون المطلق إذن، هل هي الأهواء، هل هي المصلحة العقلية، والمادية، الظاهرة والخفية، أم أنه العقل المحض.. ما وجدت عليه آبائي، وعشيرتي، ومن سبقني ممن كان له تأثيرا أوّليا على تكوين أساسي الابستمولوجي؟ أم هي القدرة الخارقة على التمييز بين الحق ونقيضه.. أم هو غيره؟
إن العقل يقف هنا متحفظا، مذعورا، أمام الإدعاء المعلن أو المبطن، بامتلاك القدرة التمييزية الخارقة والنهائية على... وعلى دحض المشوشات التمحيصية البارزة على الأقل قبالة المحايد، لأن الأمر يتعلق برأي في صدد الإنجاز، غير مكتمل، ذلك أنه مرتبط بأفعال وأقوال مستجدة، قادمة، ومستقبلة، الأمر يتعلق برأي طارئ، في صدد النمو والتشكل.
إذ أن فعلاً أو قولا مهما كان صغيرا وعابرا، لو كان له أن يتخلل المكون المنطقي للرأي "المطلق" في أي من مراحل تشكله وتمظهره الواقعي، قد يجعله محل شك، وريبة، وإعادة نظر، إنه رأي يجدر به أن يقف أمام المساءلة اليومية، بل واللحظية، التي قد تجعله مرتبكا ممأزقا.
يستطيع الواقف على المسافة نفسها من الرأيين المتضاربين هنا، الانتباه إلى المنغصات الإقناعية، التي تحول دون اجتماع الفريقين المتناحرين على الرأي نفسه، أو على الأقل على بعض المشتركات المنطقية، التي كان لها لو حددت أن تمنع الصدام الدامي، والإعراض الجازم عن المطارحات على الأقل السياسية، التي تخضع إلى تمكين الآخر المعارض من المنافع والمزايا نفسها.
تتقاتل الفكرتان المتناقضتان، ويسيل دمهما، قبل أن يقتتل صاحباهما، هناك أفكار مغلقة، مسدودة، مشمعة، وأخرى متعالية، تدعي النهائية والاكتمال.
تحاول الفكرة النفوذ إلى الفكرة نقيضها، من خلال المنافذ الإقناعية، خاصة عن طريق الثغرات التي تبدو أكثر فسحة، للعبور إلى إعادة البرمجة الفكروية، التي تظهر أكثر قابلية لتمرير المنطق المناقض، الفسحة هنا تكون بقدر ومساحة الخلخلة التي "تبدو" في المكون الإقناعي.
هناك ما يمنع مرور عناصر الفكرة الإقناعية، ما عدا قابليتها واستعدادها الجدلِيَّين، هناك عوامل خارج "فكروية" وخارج "قناعية وإقناعية" تلك التي تمنع التوافق الفكروي بين فريقين متناحرين، إنها مُفرَزات الصدام وخسائره.
إن مُفرَزات الصدام وخسائره، لا تفرز تعنتا قسريا، وتلفيقا، وأكاذيب، ودجلا منطقيا، بقدر ما تعمل على تغليط العقل، بأن تحل مكانه، ذلك أنها عقل موازٍ، قادر على الإقناع المطلق، وعلى الإخضاع الكلي إلى التطرف العقيدي.
إن القانون وإن كان من مهامه المناطة، أن يجتهد لأجل تحديد الذنب والمذنب، فإنه ينبغي على الفلسفة أن تبحث حثيثا في شبكة المذنبين الممتدين من وإلى المذنب الواحد، وفي إمكانية العثور على علامات البريء الجاهل لبراءته في صميم المذنب، وعن ذلك المذنب المختفي في شقوق البراءة وسراديبها.
إن التفكيكية وإن كانت نزعة مثالية - وهذا رأيي طبعا -، فإنها تنأى بالخصمين مهما كانا، أن يجهلا القيم التي لأجلها حدث النزاع، لا لإراقة الدماء، لا لقتل الأطفال والنساء، لا لترويع الآمنين، لا لاستعمال الدين لأغراض شخصية، ولا كذلك للقول ب "رفض استعمال الدين لأغراض شخصية" لأن هذا القول في حد ذاته هو استعمال صريح للدين لأغراض شخصية، بشكل أو بآخر، ونعم لتعايش الأديان، نعم للاختلاف الفكري، نعم لنبذ الذات في سبيل صالح الإنسان والإنسانية.
عبد القادر مهداوي / جامعة تيزي وزو


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)