الجزائر

الترجمة إلى العربية والحفاظ على طقوس التوارق لا مناص منهما



دعا الأستاذ قاسي سعدي إلى ترجمة كلّ ما كتب عن الأدب الأمازيغي باللغتين الفرنسية والانجليزية إلى اللغة العربية حتى نكتشف دواخلنا ونحقّق ثورة ثقافية لا مثيل لها، في حين اعتبر الأستاذ يوسف أوقاسم أنّ تدوين وتصوير الترقي لطقوسه الاحتفالية، ضرورة لا مناص منها.نظّمت المكتبة الوطنية، أوّل أمس، ندوة موسومة ب«تجليات الإبداع الأمازيغي في المشهد الثقافي والفني" نشّطها الأستاذان يوسف أوقاسم وقاسي سعدي.
بالمناسبة، تحدّث الأستاذ أوقاسم عن الاحتفالات الشعرية في المجتمع الترقي الذي رغم تنوّعاته بفعل تقسيمات الجغرافيا، إلاّ أنّه من أصل واحد وهكذا يقوم التوارق بإحياء طقوس الأجداد ولو كان ذلك وفق جزئيات لغوية متنوّعة. وذكر أنّ هذه الطقوس تتعلّق بالعديد من المناسبات مثل الاحتفال بالسنة الجديدة، المولد النبوي الشويف، الزواج، الختان، ختم القرآن، المنافسات الشعرية، تنظيم الغزو، ذهاب الحجاج وعودتهم إلى الديار، سباق المهاري وغيرها.
واعتبر المتحدّث أنّ الاحتفالات الشعرية عند التوارق تحدث بشكل مفاجئ أحيانا وأحيانا أخرى تنظّم وفق مناسبة محدّدة، كما لها أنصارها الذين يتلذّذون بها، باعتبار أنّ الشعر وسيلة أدبية ضرورية للتعبير، أما الشاعر فيلقّب بالمثقف والمحبوب والموهوب. وتابع أنّ الشاعر الترقي يقدّم في الغالب قصائد شبيهة بقصائد الأوّلين، فيسلك نهج الأجداد ويرتدي لباسا شبيها للباسهم، أما الجمهور فحينما يتلذذ بما يسمعه من شعر، ينفعل ويكون له سلوك معيّن مثل إطلاق صيحات أو زغاريد.
كما يستطيع الشاعر النهل من غزارة لغة التوارق وحتى الاستدانة من اللغات الأخرى، ليقدّم قصائد أمام المجتمع الترقي الذوّاق للموسيقى والشعر والفن عموما. بالمقابل يقوم الترقي في المناسبات مثل الأعراس بإلقاء السلام ثم السؤال عن كلّ شيء بدءا بحال الأهل والممتلكات والطقس ثم شرب الشاي وبعدها سماع القصائد إما من خلال إلقاء فردي أو في إطار تنافسي تبارزي، يضيف أوقاسم، الذي أكّد ضرورة أن يرعى الترقي طقوسه الاحتفالية في عصرنا هذا، من خلال إبراز أصالة سلوكه ولغته وزيّه، وتدوين وتصوير هذه الطقوس بكلّ جزئياتها، وأدائها أمام المكتشفين والمصوّرين والباحثين، والانضمام إلى هيئات وطنية ودولية لنفس المهمة لتسجيل هذا التراث بالشكل الصحيح.
من جهته، قسّم الأستاذ قاسي سعدي تطوّر الأدب الأمازيغي بالقبائلية إلى ثلاث مراحل، وهي مرحلة ما قبل مولود معمري ومرحلة مولود معمري وما بعدها وفي الأخير مرحلة ما بعد ترسيم الأمازيغية. وبدأ الأستاذ حديثه بالمرحلة الأولى التي استمرت مدة قرون من الزمن وتحدّدت في جانب الأدب الشفهي، كما أنّ أوّل عمل تدويني يخصّ الثقافة القبائلية كان من طرف المستعمر الفرنسي على يدي الجنرال هانوتو الذي أصدر كتابا بعنوان "الشعر الشعبي لقبائل جرجرة" عام 1867، ومن ثم مؤلف هنري باسي عن البربر.
وأضاف سعدي أنّ المستعمر الفرنسي أراد استنباط ذهنية المجتمع الجزائري حتى يفهمها ويسهل عليه التحكّم في الجزائريين، كما قدّم معلومات مغلوطة عن التراث القبائلي وابتغى التفرقة بين عناصر المجتمع الجزائري، ليأتي الباحث بوليفة الذي تعلّم على يدي ابن بسكرة بن سديرة الذي يعدّ أوّل من وضع قواعد للغة القبائلية، ويدافع بشراسة عن هذا التراث ويصحّح العديد من المعلومات.
أما المرحلة الثانية، فتبدأ منذ استفاقة مولود معمري أب القضية الأمازيغية من بهتان المستعمر الفرنسي الذي كان يشجّع بعض الدراسات لإحداث شرخ في المجتمع الجزائري، واقترح معمري مشروعا قصد تحرير الأمازيغية من مختلف الإيديولوجيات ولم يكتف بجمع الأدب الشعبي الأمازيغي من مختلف مناطق البلد، بل طالب بضرورة تدوين وترجمة ما كتب عن هذا الأدب باللغة الفرنسية ولغات أخرى. كما تفطّن معمري لضرورة وضع معجم أمازيغي، من خلال إجرائه لدراسات لسانية واجتماعية وأنثروبولوجية للأمازيغ، مناهضا في ذلك المشروع الكلونيالي.
بالمقابل، تحدّث الأستاذ عن تحوّل الفضاء العمومي كالسوق إلى فضاء ثقافي من خلال المدّاحين الذين يعلّمون الناس أوجها من ثقافتهم، خاصة أنّ القبائلي يعشق الغناء والشعر بامتياز. وتابع مجدّدا أنّه ظهرت ما بعد مرحلة معمري، أجناس أدبية جديدة في الأدب الأمازيغي، مثل الرواية والقصة القصيرة والشعر المعاصر، خصيصا بعد ترسيم اللغة الأمازيغية وظهور الجوائز الأدبية مثل جوائز رئيس الجمهورية وآسيا جبار ومحمد ديب، والتي غيّرت من مفهوم الأدب عند الأمازيغ من خلال محاولة الأدباء الذين يكتبون بالأمازيغية الظفر بالجوائز الأدبية.
وأكّد المتحدّث تغيّرا في مواضيع وأشكال الكتابة المتعلقة بالأدب الأمازيغي مثل تناول مواضيع تخصّ الفلسفة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وغيرها، رغم أنّها لا تخلو من الثقافة التقليدية وإن جاءت في رداء معاصر. واعتبر قاسي أنّ الأدب القبائلي يتشبّث بالأصالة وفي نفس الوقت يسعى للتطوّر والاندماج في القوالب المعاصرة، بينما أشار إلى أهمية ترجمة كلّ ما كتب عن هذا الأدب خاصة باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية والذي سيحدث ثورة ثقافية لا مثيل لها ويساعدنا على كشف أنفسنا أكثر.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)