الجزائر

التراجع و المراجعة



التراجع و المراجعة
تدخل رئيس الجمهورية لتعديل القانون الخاص بالتقاعد في آخر لحظة قبل مصادقة البرلمان عليه استجابة لنداءات الفئة الشغيلة، وتراجعت وزارة التربية عن رزنامة البكالوريا الجديدة التي أخرجت التلاميذ إلى الشارع واستجابت لمطالبهم، ما جعل بعض الوسائط الإعلامية تتحدث عن "رضوخ"، وكأن الأمر يتعلّق بمواجهات بين خصوم وليس بقوانين تقترحها الحكومة وتخضع للنقاش سواء عن طريق الشركاء الاجتماعيين ممثلين في التنظيمات النقابية أو عن طريق ممثلي الشعب.واللافت أن رئيس الجمهورية كان يلحّ دوما على الحكومة على ضرورة اعتماد الحوار كوسيلة عمل مهما كانت الظروف، وكذا قول الحقيقة للشعب، و يعكس إصراره في كل مرة على هذا الأمر تشخيصا لنقص في التواصل أو لعلّة أخرى ينجرّ عنها سوء فهم وقد تُبنى على ذلك مواقف تمسّ بالسكينة الاجتماعية.وبالطبع فإن الإجراءات التي لجأت إليها الحكومة تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط قد تكون غير شعبية، لأنها جواب على أزمة، لكنها تحتاج إلى "أسلوب" تمرير يقتضي الحوار والإقناع والتوافق، أي إلى جهد سياسي يرافق العمل التقني الذي تم إنجازه، يوضح الدواعي والأهداف ويترك هوامش تراجع لإنضاج الحوار مع الطرف الآخر، الذي هو ليس خصما كما يعتقد بعض المسؤولين الذين لا يملّون من العودة إلى مصطلح المؤامرة عند مواجهة عقبات في وظائفهم أو أمام مقترحاتهم.هذا الوضع يتطلب، في الجهة المقابلة، أن تكون التنظيمات ممثلة حقا للفئات التي ترفع لواء تمثيلها، لذلك وجب التعامل مع انتخابات النقابات و المجالس بجدية، لأن منح الصوت يعني في النهاية تفويضا بإبداء الموقف واتخاذ القرار نيابة عنك، وبالتالي فإن الخطأ في اختيار الممثل يقتضي تحمل العواقب. ويحتاج النقابيون و ممثلو الشعب من البرلمانيين إلى استدخال معطى هام فحواه أنهم لا يمثلون أنفسهم بصفة شخصية، ولا يجوز لهم أن يغيّروا الوجهة بمجرّد الحصول على العهدة، لأن ذلك يضرّ بمبدأ التمثيل ويضرّ أحيانا بالعملية الديمقراطية برمتها، فإعلان الوفاء للحكومة كما فعل أحد رؤساء الكتل خلال مناقشة القوانين الأسبوع الماضي لا يخدم الحكومة ولا ينفع كتلته ولا يقدم صورة إيجابية عن ديمقراطية ناشئة يفترض أن تُغذى بالنقاش الجاد والنقد البناء، وحتى تبني قوانين يفترض أن يبرّر بجدواها وضرورتها، في حين يفترض أن تتم معارضة قوانين بإبراز نقائصها وسلبياتها.لكل ذلك نحتاج إلى أن نتعلم من التجارب السابقة، بداية من التشكيلات السياسية المدعوة إلى تقديم كوادر لخدمة المجموعة الوطنية يشترط فيها الإلمام بمختلف المسائل الاقتصادية والسياسية، فكل نائب ينتخب في البرلمان هو مشروع وزير وفق ما تقتضيه نواميس الديمقراطية ما يجبر الأحزاب على انتقاء خبراء من مختلف الاختصاصات لتولي المهام النيابية، فتسهم بذلك في خدمة نفسها كتشكيلات سياسية وخدمة المجتمع والدولة، وانتهاء بالمواطنين المطالبين باصطفاء نخبة سياسية حقيقية عن طريق الانتخاب، وقطع الطريق مبكرا أمام الفئات التي يرون أنها لا تخدمهم ولا تخدم المجتمع، وفي حال انحرف المواطن في خياراته باعتماد مقاييس مختلة، فإنه سيساهم ولو بقسط ضعيف في اختلال الحياة السياسية. و أخيرا فإن الوصول إلى ثقافة ديمقراطية يسودها الحوار تتطلب وجود فاعلين سياسيين متمرسين و واعين بأدوارهم في المجموعة الوطنية سواء أكانوا مسؤولين أو منتخبين أو نقابيين.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)