التراث من المصطلحات الخلافية والغامضة، ولذلك تعددت مفهوماته، واختلف الدارسون في تحديد تعريف دقيق له. فبعضهم يرى بأنه «كلّ ما ورثناه تاريخيا، وكلّ ما وصل إلينا من الماضي داخل هذه الحضارة السائدة»(1). في حين يعتبره آخرون «الموروث الثقافي والاجتماعي والمادي، المكتوب والشفوي، الرسمي والشعبي واللغوي وغير اللغوي الذي وصل إلينا من الماضي البعيد والقريب»(2). ومجمل القول، أن التراث «إبداع تاريخ إنساني مضى، أعطى ما أعطى من المنجزات العلمية والثقافية والحضارية في سياق تاريخي معين، وفي تفاعل مع توجهات وأهداف معينة»(3).
ولمّا كان التراث -كما يقول مارتن هيدغ- قدرنا، فإن المبدعين، سواء أكانوا شعراء أم قصاصين أم روائيين، ما فتئوا يلتفتون إليه، فيغرفون من معينه، ويغنون به كتاباتهم. ويمكن الزعم أن أكثر الروايات نجاحا اليوم على الصعيد العالمي، تلك التي عادت إلى التراث، فاستثمرت معارفه، واستزرعتها في مشهدياتها السردية، فجاءت بالصور العجيبة على مستوى البنية أو الدلالة، ومن أولئك نذكر -على سبيل المثال لا الحصر- غارسيا ماركيز وغونتر غراس ونجيب محفوظ وإبراهيم الكوني وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي ونبيل سليمان وغازي القصيبي... وغيرهم.
ولعل أبا العيد دودو واحد من الكتاب الجزائريين الذين استهواهم التراث، فأبدوا نزوعا إليه. فلقد شكّل في قصصه وصوره السلوكية أحد مكونات الخطاب السردي، حيث اشتملت منظومته السردية على مجموعة من العناصر التراثية، توزعت على ذاكرة ابستيمولوجية واسعة، أدبية وتاريخية وفلسفية ودينية، تداخل فيها العربي بالأجنبي، القديم بالحداثي، الواقعي بالأسطوري. وكلّ ذلك من أجل تطعيم النص السردي، باستنطاق التراث استنطاقا جماليا، ومن ثم اتخاذ موقف فكري وجمالي منه يتوافق ورؤية القاص السردية والواقعية. وعلى الرغم من أن النص السردي يبدو مستقلا، من حيث هو بنية لغوية لها عناصرها الجمالية المتميزة، ونظمها البلاغية والأسلوبية الخاصة، فإنه مغتنى بمجموعة من النصوص تتداخـل فيما بينها لتشكل نسقا معرفيا متميزا، لأن كل نص كما تقول كريستيفا «هو عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وكل نص هو تشرّب وتحويل لنصوص أخرى»(4).
وقد بدا لنا بغية الكشف عن المنظومة التراثية التي استعان بها السارد في خطاباته، تصنيف أضرب الموروثات الموظفة العربية والأجنبية، الشعرية والحضارية والفلسفية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 19/10/2023
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - حمودي محمد
المصدر : مجلة المخبر' أبحاث في اللغة والأدب الجزائري Volume 12, Numéro 1, Pages 471-480 2015-06-08