الجزائر

التحول الكبير



 في حرب الخليج الثالثة.. وبعد سقوط مبررات غزو العراق للكويت، أجمعت الأمة على أن ما يتعرض له العراق حرب صليبية بأتم معنى مصطلح ''الحرب الصليبية'' كما هو متعارف عليه.. ولم يكن بإمكان أي كان من علماء الأمة ونخبها ومفكريها وطلائعها بمن فيهم السيستاني غير الدعوة لنصرة العراق ومآزرة قيادته لصد الهجمة... ولنتذكر تلك المظاهرت العارمة والمسيرات التي كانت لها بداية ولم تكن لها نهاية، التي عمت مختلف شوارع المدن العربية وأزقة قراها... ولنتذكر صور الأعلام الأمريكية ودمى الرئيس جورج بوش الابن وهي تحرق في كل مكان... حدث هذا منذ أقل من ثماني سنوات فقط، وليس منذ خمسين عاما أو منذ قرن من الزمان.
الآن تنتفض الجماهير العربية معتمدة على قواها الحية بالدرجة الأولى والأساس، لكنها تنظر وتنتظر الدعم الذي يأتيها من أمريكا ومن الغرب عموما... ليس كقوة إضافية داعمة لقوتها فحسب، وإنما كضمان رئيسي لتحقيق النصر والتخلص من وباء حكامها الذين لا يقيمون للأسف الشديد وزنا لغير القوى الخارجية المجسدة في هذا الغرب الذي كنا نندد به ونعتبره قوة صليبية عدوة لنا... ولنتذكر مشاهد حرق الأعلام الأمريكية والبريطانية والفرنسية منذ عشر سنوات خلت، ورفع الثوار الليبيين للعلم الفرنسي والأمريكي اليوم... لقد كان ثوار مصر وتونس بالأمس وثوار ليبيا واليمن وسوريا اليوم مشدودين للمواقف الغربية وفي مقدمتها الأمريكية.
أخطر من هذا... حتى ديننا الحنيف لم نعد نتخذه كموحد لنا ولو في الظاهر على الأقل، وها هي العاصمة اليمنية تشهد صلاتي جمعة، واحدة يدعو إمامها للمحافظة على بيعة الجماهير اليمنية لرئيسها وتعتبر الثورة عليه ردة وكفر، وثانية يدعو إمامها لمواصلة الانتفاضة حتى إسقاط عبد الله صالح، مع تأكيده على أن الثورة عليه واجب شرعي.
أما في ليبيا فعلماء الشرع والشريعة يقولون في مساجد طرابلس بأن الجماهيرية تتعرض لعدوان صليبي وجب شرعا صده ومواجهته، وفي مدينة بنغازي يقول الإمام الذي أم الناس في صلاة الجمعة بأننا نحن من استنجد بالحلف الأطلسي لتخليصنا من حاكم ظالم استباح الأرض والأعراض وداس على كل قيم وكرامة الإنسان الليبي، وبالتالي فالله وشريعتنا معنا ومع حليفنا في حرب إسقاط الطاغية، وهذا ما ذهب إليه العالم يوسف القرضاوي الذي تحول إلى محرض وداع وداعم للثورة والثوار رغم أن انتصارها مرهون بدعم أمريكا والغرب.
لا شك في أننا نعيش مرحلة تحول كبير في السلوك والمفاهيم والقيم... والغريب أن كل شيء فينا وفي محيطنا يتغير بسرعة غير مألوفة، لكننا مع ذلك نتقبلها، ومقابل هذا التحول يبقى حكامنا كالحجر أو أشد صلابة، فهل نأسف على المصير الذي آل إليه حسني مبارك وزملاؤه وسيؤول إليه حتما بقية زملائه؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)