الجزائر

التاريخ السياسي للنائب الجزائري.. من سيدي الشيخ إلى صاحب الشكارة



تناولت "الفجر" قبل أيام قضية الشهادات المزورة لبرلمانيين محتملين، وفتحت الجدال على المستوى التعليمي للنائب الجزائري المرتبك وحتى المفبرك، والحقيقة هناك مستويات تعليمية متباينة في القوائم الانتخابية المقدمة لتشريعيات 2012، من الدكتور إلى غاية صاحب الشهادة المزورة، وهنا تجدر الإشارة أننا لا نريد تقديم مسح سطحي يخص فلانا بالمكانة الثقافية وفلانا بالتسرب المدرسي، بل نريد معرفة شخصية النائب الجزائري، مساره التاريخي.. لماذا وصلنا إلى هذه النماذج من القوائم النيابية، ما هي السياقات التاريخية التي رسمت ذلك؟ لأنه لا يغطي الشمس دكتور الأفالان ولا طليقة مفتي العرب، نريد أن نبحث في عمق الحكاية، نريد أن نعرف لماذا تجرأ المجتمع على القذف بالمعتوهين للنيابة، ومن ثمة للسياسة..
النائب عن الشعب.. سيدي الشيخ
منذ التاريخ الأول تعوّد الجزائري على حكم القادم والمستعمر، والدليل سلسلة التواجدات الأجنبية في الجزائر عبر كافة مراحلها، فلطالما كان النائب عنه هو الشيخ أو بالأحرى "سيدي الشيخ"، ولعلها ثورة بن الأحرش في الفترة العثمانية دليل على سياسة الشيخ والمريدون في الثقافة الاجتماعية الجزائرية، وذلك لعدد من الاعتبارات أولها الاعتبار الديني، والفكر الديني في الجزائر إبان القرون الماضية هو "دين رضا الله ووليه"، وهذا لا يعني التشكيك في العقيدة الدينية في الجزائر، وإنما هو توضيح للرباط المقدس الذي يكنه المجتمع للشيخ الذي جاء وعلمه دينه، باعتبار أن الجزائر والمغرب كافة مدينة فتح إسلامي، وعليه نشأت هذه العلاقة الحميمية بين الشيخ والعوام، وعليه لطالما كان هو ممثل الشعب في الحالات المتقدمة من الخلاف بين الشعب والحاكم، وقد ظهر هذا في عدد من الوقائع لعل أهمها ثورة ابن الأحرش أثناء الوجود العثماني.
النائب عن الشعب.. المجاهد وابن الشهيد
بعد الاستقلال.. تراجعت كثيرا فكرة "سيدي الشيخ" وبركاته، بل على العكس لاقت الكثير من الأوجاع على أساس اشتراكي يدعو بتساوي الفرص وبنيابة الشعب على شاكلة لافتة البلديات "من الشعب وإلى الشعب"، لذا كونت القسمة بداخلها شيخا جديدا هو المجاهد نفسه، سنوات بعد ذلك تقدم إلى جانبه ابن الشهيد كشرعية تاريخية لابد منها، ولكن رغم ذلك كانت هناك مواصفات جميلة لابد من ذكرها، وهي شروط الوطنية وخدمة الشعب، مع الذكر أن المستوى التعليمي آنذاك كان بسيطاً، ونخبتنا الثقافية كانت في سنواتها الأولى في الاتحاد السوفياتي ولا يمكن الحديث عنها الآن.
الشاذلي.. ونيابة القفة والزيت
مع وفاة الرئيس هواري بومدين تراجعت بعض الشيء الهالة الثورية، والأسباب خارجية كما هي داخلية، توازنات العالم وتوازنات التيارات الداخلية التي ظلت مضغوطة من طرف قيادة صارمة، مع الشاذلي بدأت التوازنات تنزل أدراجاً في معانيها وبدأت ملامح الفخ المعيشي، بحيث بدأت ندرة المواد الأولية ترسم ملامحها كنيابة حقيقية للشعب الذي صار يعرف الطوابير من أجل اقتناء حاجياته الأساسية من المواد الغذائية، الأمر الذي كوّن ثغرة حقيقية بين المجتمع ونائبه، وبالتالي بداية تقطع الخيط مع ممثل الشعب، ولكن هذا ليس السبب الوحيد، السبب الثاني هو تلك النخبة التي قمنا بإرسالها إلى الاتحاد السوفياتي خاصة، وإلى العالم، حتى تعود إلينا بأفكار جديدة ورؤية سياسية محكمة، ولكن.. ماذا حدث..؟؟ نسبة كبيرة من هؤلاء لم تعد واختارت المهجر كخيار حتمي لنجاحها، ونسبة كبيرة كذلك عادت إلى أرض الوطن ولكنهم أطباء.. مهندسون.. وما إلى ذلك من التخصصات التقنية التي لا يمكنها أن تشكل الوعي السياسي، لم نفهم أن الطبيب لا يخلق وعيا سياسيا، الطبيب يقدم خدمة هامة ولكن على المستوى الأفقي وفي اللحظية العابرة، على عكس المتخصصين في العلوم الإنسانية الذين يمكنهم بالفعل تقديم وعي سياسي للمجتمع.
لا نزال في ثمانينات القرن الماضي، ولا يزال برميل النفط لا يتجاوز ال 17دولارا، وأمامنا برلمان لا يزال يضم المجاهد وابن الشهيد، ولكن هذه المرة مع غفلة المجتمع قليلاً وبداية التوجه المعيشي للجزائري على حساب الاهتمام بحال البلاد، مع الانتعاش الاقتصادي داخليا والبروستريكا خارجيا، ثم التصدع، يبقى الشكل الأوحد للنائب هو الشرعية الثورية الهادئة. لكننا سندخل قريبا التعديدية وسنثور على كل شيء، فهل كانت الثورة الأكتوبرية ثورة على تقاليد النيابة البرلمانية؟؟
بقرة اليتامى وبقرة النائب
لا يمكن على الإطلاق البناء التحليلي للتمثيل السياسي على تشريعيات 1991 لأنها تشبه الاستغلال في مفاهيم الدينية لدى الجزائري، وعليه سقطت الجزائر في بركان ثورتها وساد الصمت الذي لم يقدم شيئا لأي كان.. فما بالك للنيابة الجزائرية والتمثيل السياسي. ولكن على صعيد اجتماعي اتسعت الهوة بين السياسة وتغيرت ملامح التجمعات السكنية خاصة، لأن هجرة الريف قدمت لنا نوعا جديدا من الثراء، هو الذي عرف أولا بالبڤارة ثم أصحاب الشكارة.. ولكن لابد أن نفرق بين الاثنين.. لأن البڤار هو صاحب مطلب واضح وهو البحث عن المكانة الاجتماعية والتدرج في الغنى، وهذا لا يشكل خطراً.. لأن أصحاب الشكارة هم الناهبون من الدولة، هم بارونات المشاريع الكبرى، هم أصحاب قضايا الفساد الكبيرة وحتى غير المعلن عنها، بحيث أن قضايا الفساد في هذا البلد لا تقدم للعدالة بل تبقى أوراق ضغط بين بعضهم البعض للضغط على بعضهم البعض. بعد خمسين سنة وفي تشريعيات 2012 نجد أنفسنا أمام برلماني محتمل يقوم بتزوير شهادته العلمية.. والحقيقة أن ذلك نتيجة لتزوير كامل في تسيير السياسة الجزائرية.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)