الجزائر

التاجر الجزائري "فرعون" والزبون "طلاب"



التاجر الجزائري
يقول المثل الفرنسي، “الزبون ملك”، لكن هذا المثل بعيد كل البعد عن واقعنا ومعاملات تجارنا الذين يفتقد الكثير منهم لأبجديات التعامل مع الزبون وفنيات كسب وده، فعوض استمالته ليغادر محله راض وفي نيته العودة إليه مجددا، يتحوّل الزبون من ملك إلى طالب صدقة في بلاط التاجر.وجه عبوس وملامح جادة وابتسامة غائبة، ديكور ارتسم على وجه صيدلانية في شارع حسيبة بن بوعلي في الجزائر العاصمة، وامرأة حامل تقدّم لها وصفة دوائها، تنهض الصيدلانية من مكانها وهي تجر أقدامها جرا لتعود بعد لحظات حاملة الدواء محدثة السيدة “لا يوجد الدواء الأصلي سأعوضه لك بدواء جنيس”، ترفض المرأة أخذ الدواء فتأخذه من يدها بعنف مرددة “هذا واش كاين شوفي في جهة أخرى”.يقاطع محل جارههو سيناريو كنا شاهدين عليه، لكن لم نبق لنتابع نهايته بعد أن دخلت الزبونة في جدال مع الصيدلانية، لكنه يتكرر كل يوم في الكثير من محلاتنا التي يبذل أصحابها أو البائعون فيها جهدهم ل«طرد” الزبون، عوض كسب ودّه ليعود مجددا، وهو الحال في مخبزة في ضواحي القبة بالعاصمة، صاحبها أربعيني، معروف بجودة الخبز الذي يقدمه، لكن بالمقابل سلوكه ليس بجودة خبزه، مثلما يقول السيد محمد، أحد القاطنين بجوار المحل: “صحيح أن المحل مجاور لبيتي، والخبز الذي يقدّمه جيد، لكن هل تصدقين أنني أضطر إلى قطع مسافة نصف ساعة مشيا على الأقدام حتى أقتني الخبز من محل آخر، بسبب سلوك جاري وسوء طبعه”. وواصل محدثنا قائلا إنه أقسم على مقاطعة المحل ولم تطأه قدماه منذ أكثر من سنتين، مضيفا “كنت في الأول أقتني من المحل حاجتي على مضض، وأتغاضى على سلوكه، لكن الأمر تجاوز حدود صبري، فالأخير يتأفف في وجه الزبون على أتفه الأمور، ويرفض بيعك الخبز أحيانا بحجة أنه محجوز لأشخاص آخرين، ويرد على طلبك بأسلوب فض ويجعلك تشعر وكأنك تتسول إليه أو أنه يبيعك الماس.. أفضّل قطع الكيلومترات على أن أقتني من محله”.السيد محمد ليس الوحيد الذي فضّل أن يقطع المسافات على أن يقتني الخبز من المحل المجاور لبيته، مثلما هو حال سيدة ستينية التقيناها في محل لبيع المواد الغذائية في حي بلوزداد الشعبي، التقيناها وهي منهمكة في الحديث مع البائع، وهو شاب يبدو في العقد الثالث من العمر، بدا “طويل البال” وهو يلبي طلبات العجوز وهي تختار مقتنياتها وتسأل عن كل منتوج وعن المُصنع وتاريخ نهاية الصلاحية، وكان يرد في كل مرة بابتسامة، وقبل أن أبادر السيدة بالحديث سبقتني “اللسان الحلو يرضع اللبة يا بنتي، تصدّقيني أنني أمشي مسافة طويلة من بيتي في 1 ماي إلى هنا لأقتني مستلزماتي رغم أن المحل المجاور لبيتي يبيع مثله وربما أفضل، لكن صاحبه فضّ ولا يحسن التعامل حتى مع جيرانه، ولن يبيعك إذا نقص دينار واحد، غير أنه لا يتردد في بيعك الحلوى حتى وإن رفضت إذا لم تتوفر لديه القطع النقدية ليرد لك الباقي”.ديكور جميل وبائعون!غيّرنا وجهتنا إلى شارع ديدوش مراد، ولجنا محلا لبيع الملابس النسائية، وهناك استوقفنا لامية، طالبة في معهد اللغة الانجليزية، بادرناها بالسؤال عن رأيها في سلوكيات وتعاملات تجارنا، فردت أن سلوك التاجر يأتي في مقدمة المعايير التي تختار وفقها المحل الذي يمكن أن تقتني منه حاجتها، موضحة “هناك تجار يدفعونك دفعا لمقاطعة محلهم، فبعضهم ينهرك عندما تقومين بلمس السلعة، وآخرون يعبّرون صراحة عن امتعاضهم إذا جرّبت ثوبا مثلا ولم تقتنه، لكن لا يمكن إنكار أن هناك تجار يحسنون التعامل مع الزبون ويقابلونه ببشاشة ويبذلون جهدهم لنيل رضاك”.وواصلت محدثتنا قائلة “تصوري أنني كنت متعودة على اقتناء أحذية إيطالية من أحد المحلات بالمركز التجاري لباب الزوار، وكنت أدفع أحيانا أكثر من مليون سنتيم مقابل الحذاء الواحد، وفي إحدى المرات كان ينقصني مبلغ 100 دينار من 8000 دينار قيمة الحذاء، فرفض صاحب المحل إنقاص المبلغ أو حتى منحي الحذاء على أن أجلبه له في الزيارة القادمة، فهل بهذه الطريقة نجذب الزبائن؟”. ولم يختلف الأمر مع رفيقة لامية التي أشارت إلى أن الديكور الراقي لبعض المحلات يخفي خلفه سلوكيات منفّرة، “فالكثير من أصحاب المحلات يردّون بأسلوب فض إذا سألت عن السعر وكأنه متأكد بأنك لن تقتني السلعة، فيتجاهلك مرة ويردّ بفضاضة مرة أخرى، بحجة أن السعر مكتوب على السلعة “وكأنه سيتعب إن ذكر السعر لك”.وأضافت محدثتنا أن الصورة السلبية التي يقدمها هؤلاء التجار، لا تنفي وجود تجار يؤمنون بأن التجارة فن وأن الزبون ملك، ويملكون أسرار التجارة الناجحة ويدركون أن الزبون يبحث عن المعاملة المحترمة حتى لو كلّفه ذلك أن يقطع المسافات البعيدة.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)