الجزائر

البعد الإنساني في المسرح



إن أجمل ما يتميز به العمل الإبداعي بصفة عامة و المسرح على وجه الخصوص ، و فضلا عن تألق الممثلين في تعبيرهم الصوتي و الجسدي و صناعة الفرجة على خشبة المسرح، هو الجانب الإنساني الذي يتحلى به ممارسو الفن الرابع و الذي لا يغيب عن كل عرض مسرحي. حيث يتسنى للمتلقي التماس رغبة كبيرة عند الممثل في ترجمة مشاعره وأحاسيسه نحو الآخر.و هذه العزيمة على التواصل لا تتغير و لا تختلف مهما اختلفت التوجهات والثقافات ، و هذا إن دل على شيء إنما يدل على نبل و عمق الرسالة التي يحملها أبو الفنون للإنسانية جمعاء. و لا يمكن للغة المخاطبة أن تقف عائقا أمام وصول هذا الشعور النبيل إلى المتلقي رغم الفوارق الجغرافية و العرقية و حتى الدينية طالما أن المسرح يعتمد على أدوات تعبير أخرى لا تقل أهمية عن الحوار الناطق. ومن بين هذه الأشكال التعبيرية نجد لغة الإيماء أو الحركة و تسمى أيضا بالمسرح الصامت و تعد من بين الأشكال الأكثر حضورا في المجتمعات كونها تجد طريقها بسرعة إلى ذهن المتلقي و تجلب اهتمامه أكثر مما يجلبه الحوار الناطق. و كثيرا ما يؤثر هذا النوع من التعبير على المتلقي و يصنع الفرجة بطرق إبداعية سحرية من خلال توظيف الإشارات والإيماءات التي تؤدي وظائف إيجابية أكثر من المسرح الحواري. هذه الميزة لم تجرد الأعمال المسرحية حتى وان كانت محلية من صبغة العالمية ومخاطبة الآخر بهذه اللغة المشتركة ولو بصفة متفاوتة. و قد تشترك المجتمعات على اختلاف أصولها في نفس القضايا و المشاكل الاجتماعية التي تعالجها مسرحية محلية ، و قد تلقى أعمال فنية تتطرق لمشاكل اجتماعية و إنسانية استجابة مع مجتمعات أخرى بشرط تمتعها بمستوى فني راقي من حيث الإخراج والأداء على الركح وقدرتها على تمرير هذه الرسالة الإنسانية. و لأن الجانب الإنساني قد تخطى الحدود و الحواجز المادية و أصبح القاسم المشترك الأكثر وجودا بين المجتمعات، فإن المسرح الذي يدعو إلى نفس القيم الإنسانية أولى بتحمل هذه الرسالة الكونية. و بالتالي على الممثل المسرحي أن يكون في مستوى هذه المكانة العظيمة التي تجعل منه الناقل رقم واحد لهذه الثقافة الإنسانية المشتركة وتبادلها مع الغير. ومن هنا يمكن أن نشير إلى أن العديد من الأعمال المسرحية الجزائرية ارتقت إلى العالمية و استطاعت أن تصنع لها مكانة داخل المجتمعات الأجنبية، لدرجة أن نصوصها خضعت للترجمة لتتحول بعدها إلى مواد لدراسات و بحوث علمية، بعد أن نجحت في نقل صورة عن واقع الإبداع في الجزائر . هذا النوع من التواصل الإنساني الذي لا يعترف بالحدود و لا تقف أمامه معيقات اللغة و لا فوارق العرق يستمد قوته مما يسمى بالعقل الباطني للفنان الذي يخزن رغبة في التقارب و إحلال السلام و تكريس الحب المتبادل بين الناس.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)