الباحث زعيم خنشلاوي
سيدي بومدين ساهم في تحرير القدس واعترف له الشيخ الأكبر ابن عربي
يعود الباحث المتخصص في أنثربولوجيا الأديان البروفيسور زعيم خنشلاوي في هذا الحوار، إلى دور الخطاب الصوفي في ترميم ما خربه الخطاب الديني المتطرف خلال سنوات، حيث يؤكد أن "تخرب" الخطاب الديني عندنا هو الذي شجع الحركات التبشيرية على استقطاب الشباب ليرتد عن الإسلام، كما توقف رئيس دائرة البحث في مركز البحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ عند دور أحد أقطاب الصوفية في الجزائر أبي مدين شعيب التلمساني في تحرير القدس من براثن الاحتلال الصليبي وأهمية إحياء سيرة هذا الولي الصالح ونحن نحتفل بتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية.
تحتضن تلمسان تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية وهي المشهورة بمقام سيدي بومدين أو حارس تلمسان كما يسمى، ألا تعتقد أن هذه الشخصية مجهولة عند عامة الجزائريين؟
بالرغم من أصله الاشبيلي الأندلسي، إلا أن سيدي بومدين عاش ما بين بجاية وتلمسان، بيد أن تأثيره امتد إلى أكثر من مدينة من مدن الإسلام على غرار فاس، تونس، القاهرة والقدس الشريف، فضلا عن الحرمين الشريفين بمكة والمدينة، وقد ورد اسمه في سلاسل الطرق الصوفية المتداولة في مصر واليمن وإيران وحتى الهند، إلا أن نوره أشع أول مرة في زاوية أبي زكريا يحيى الزواوي بحي اللؤلؤة ببجاية، أين تربى في عاصمة الحماديين واستلهم من فيض مددها أحد أساطين التصوف، ألا وهو القطب وشيخ مشايخ المشرق والمغرب فخر الجزائر من بجاية إلى تلمسان سيدي أبو مدين شعيب بن الحسن الحسيني الأنصاري الملقب بالغوث لعلو مقامه و شأنه.
من المعروف تاريخيا أن تأثير هذه الشخصية امتد أيضا إلى عديد الأقطار العربية منها والأجنبية؟
يلقب أبو مدين بشيخ مشايخ الإسلام والأولياء الكبار في الأمصار وإمام الأئمة الأخيار، اشتهر ذكره في الآفاق ووقع على جلالته وولايته الاتفاق، فهو قطب الدائرة ورجل الأولى والآخرة. كما يعد نقطة التقاء التصوف المغربي والمشرقي، حتى أن تلميذ تلميذه سيدي أبي الحسن الشاذلي 1196 ـ 1258، الذي كان قد التقى، أثناء بحثه عن قطب زمانه، بأبي الفتح الواسطي أحد مقاديم سيدي أحمد الرفاعي، أعيد توجيهه من العراق إلى بلده، إشارة إلى انتقال السلطة الروحية إلى الجزائر بقدوم أبي مدين شعيب، الذي تتلمذ على يديه كبار صوفية المغرب والأندلس، فهو شيخ مباشر للشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي الطائي ولقطب المغرب عبد السلام بن مشيش الذي أخذ عنه أبو الحسن الشاذلي الذي نشر بدوره طريقة شيخ شيخه أبي مدين في أرض الكنانة.
يرتبط اسم أبي مدين بمدينة القدس الشريف وحارة المغاربة، ما الدور الذي لعبه هذا الصوفي الجزائري في تحرير الأراضي الفلسطينية من أيدي الصليبيين؟
تحتفظ ذاكرة التاريخ بأن أبا مدين الغوث قد شارك في فتح بيت المقدس وأنه لم يكتف بمباركة حملة صلاح الدين ضد الصليبيين، بل حارب في الصفوف الأمامية لجيشه حتى كتب للمسلمين النصر وقطعت ذراع الولي الصوفي أثناء خوضه معركة حطين المشهورة سنة 1187، أين دفنت كشهادة على سقاية الأراضي المقدسة بدماء جزائرية، مكافأة له على تضحيته. وعرفانا منه ببسالته أوقف السلطان الأيوبي حارة للمغاربة بالقدس الشريف، تولت إدارتها عائلات من أصل جزائري إلى أن اختفت معالمها حين قام اليهود الصهاينة بتوسيع ما يعرف بحائط المبكى إثر سقوط القدس الشرقية، إذ قامت آلة التدمير الإسرائيلية صبيحة11 يونيو 1967 بمحو تسعة قرون من الحضور التاريخي الجزائري بهدمها، ما يضاهي العشرة آلاف متر مربع من المعالم الأثرية. عملية الهدم تمت في ظرف قياسي لا يتجاوز الأربعة أيام بعد احتلال المدينة القديمة التي تم وضعها تحت الحكم العسكري. أعقبها تشريد 650 شخص، أي ما يقارب 135 عائلة أعطيت لها مهلة ثلاث ساعات لإخلاء المكان.
عادة ما تتهم التيارات الصوفية تاريخيا بالخيانة والعمالة للاستعمار، هل هذا صحيح؟
من الوقاحة التاريخية والحماقة العلمية أن يصدر هذا الكلام عن إنسان عاقل، فما بالك بأن يصدر عن عالم أو باحث، فمن الثابت تاريخيا أن المتصوفة هم الذين أعلنوا الجهاد وهم الذين كانوا يتصدون للمقاومة والمرابطة على حدود الإسلام لحراستها، فهل يعقل أن يتهموا بالعمالة للاستعمار، اللهم إلا إذا اعتبرت فترات الهدنة والصلح خيانة، وهي فترات كان الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم يوقعها ويلتزم ببنودها، والمعلوم أيضا أن المتصوفة لا يعقدون العزم على الحرب إلا إذا كانت لهم الغلبة، لأنهم لا يدخلون حروبا خاسرة ولا يعتدون على حدود الله ويتحلون بروح المسؤولية، ولنا في سيرة الأمير الصوفي عبد القادر خير مثال على ما نقول.
التصوف أيضا متهم بالزندقة والحث على عبادة الأضرحة والدروشة، كباحث كيف ترد على هذه التهم؟
وجب الانتباه إلى أن مركز التوحيد في الإسلام وهو الكعبة المشرفة مرتبط بمقام سيدنا إبراهيم عليه السلام وضريح إسماعيل وأمه هاجر المدفونين في ميزاب في صحن الحجر بمقربة من جدار الكعبة، ولم يقل أحد من الصحابة على مر الزمن أن زيارة هذه المقامات غير جائز، وهي التي لا تتم مراسيم الحج إلا بزيارتها والطواف حولها، وفي المدينة المنورة حيث قبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يوجد قبرا الخليفتين أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ولا أحد من فقهاء المذاهب الأربعة قال لماذا هما هنا، والأصل أنه ومنذ 14 قرنا والمسلمون يجاورون هذه الأمكنة المباركة، والمعلوم أيضا أن المسلمين لا يعتقدون بأن هناك آلهة بينهم وبين الله، ولا يوجد فيهم من يعبد الأصنام، ولكن زيارتها تدخل في باب صلة الرحم، والمسلمون يبرون أولياءهم الأحياء منهم والأموات منذ العهد الأول للإسلام، وهذه الظاهرة موجودة عند عامة المسلمين من المحيط الأطلسي إلى شبه القارة الهندية، وقد كان لهذه المقامات دور كبير في المواسم والأعياد والمناسبات في جمع الناس وتجديد رابطة التراحم والتعاون والتآزر بين الناس، كما كانت حصنا حصينا في وجه الاستعمار للمحافظة على دين وتقاليد المسلمين كما هو الحال في الجزائر مثلا، التي بقيت مسلمة بفضل هذه المقامات التي هي معالم حضارية وجب علينا جميعا تكريمها وحمايتها.
في ظل وجود تنافر بين الفقهي والصوفي عندنا، ما هي قراءتك المستقبلية لدور التصوف في المجتمع الحالي؟
في جميع دول العالم الإنسان المعاصر بحاجة لنهضة روحية على اختلاف معتقدات الناس، لأن إنسان الألفية الثالثة يبدو أنه سئم من الخطاب الجاف ولغة التهديد والوعيد، مما خلق نفورا بارزا في الأوساط الشبابية لهذا النوع من الخطاب الانهزامي، الذي أضحى البوابة التي يدخل منها المنصرون فيرتد الشباب عن دين الأجداد ويقعون في فخ الكنائس الإنجيلية التي عرفت من أين وكيف تخاطب عواطف الشباب، نظرا إلى خراب الخطاب الديني التقليدي عندنا وقيامه حصريا على الصراخ وبث الكراهية ونشر ثقافة الإحباط والقنوط بين صفوف المسلمين، فكم من خطيب يحدثنا اليوم عن الرحمة الإلهية والمحبة عن الشفقة وعن الرأفة واللطف الإلهي، عن الآداب والمعاملة الحسنة عن قرب الله من الإنسان بعد أن صيره الخطاب الديني عندنا شبحا بعيدا ومخيفا، فاستغل المبشرون الطريق وليس العيب فيهم، لكن العيب فينا وفي النوعية الرديئة والسطحية لخطابنا الديني البعيد كل البعد عن الروح السمحة للإسلام، فحدث ما حدث من أزمات نعيش ارتداداتها إلى اليوم.
ولكن "لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون" وعلى شباب اليوم أن يتواصلوا مع أسلافهم وأجدادهم، فالسلف هو الوالد ثم الجد من السند إلى السند إلى رسول هذه الأمة، وهذا السند بالذات هو الذي يقوم عليه التصوف، لأن التصوف ينقل من حي عن حي وبعبارة أخرى التصوف هو إسلام الحياة وليس إسلام الموت، وعلينا استلهام هذه البركة الروحية واستهلاكها في حياتنا اليومية لإشاعة الفرح والأمل والتفاؤل من حولنا لصناعة الإنسان الذي يقترب للكمال، الذي بإمكانه تحقيق خلافة الله في الأرض، وذاك هو جوهر الرسالة المحمدية التي جاءت لصناعة إكسير الحياة.
إلى أي مدى ساهمت تلمسان في الحضارة الإسلامية؟ وهل كانت فقط مدينة استقطبت علماء المشرق أو ساهمت بفعالية في إضافة أشياء ملموسة للحضارة الإسلامية؟
تعرف تلمسان بمدينة الجدار في المصادر الإسلامية، لأنه يعتقد أنها القرية المشار إليها في سورة الكهف بخصوص مصاحبة موسى عليه السلام للخضر وأخذه عنه العلوم الباطنية، علما أن بقية القصة تكون حسب بعض المصادر وقعت بالكامل على التراب الجزائري. حتى أن قبر يوشع بن نون فتى موسى المذكور في القرآن الكريم ينسب إليه قبر على ساحل ولاية تلمسان، وعلى أبواب تلمسان يوجد حرم رجال عين الحوت، الذي لم يكن مسموحا للفرنسيين الإقامة به حتى في عهد الاستعمار لقداسته وحرمته المضمونة بمواثيق وعهود تعود إلى العثمانيين. فبها قبر المولى سليمان حفيد النبي صلى الله عليه وسلم حسب المعلومات المتضمنة في سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول للقاضي سيدي علي حشلاف، والذي يعد أهم وأكمل وثيقة تاريخية جزائرية لتوثيق أنساب الأشراف. هو سليمان بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن فاطمة الزهراء. قيل هو أول من دخل بلاد المغرب من الأشراف بعد استشهاد محمد النفس الزكية سنة 169 هـ، بعد أن بايعه أهل المدينة بأمر من الإمام مالك، ونزل تلمسان حتى يحتمل قبل شقيقه إدريس الأكبر، وإليه ينسب تشييد أحد أقدم الجوامع ببلادنا سنة 174 هجري رفقة أخيه إدريس وهو مسجد أغادير بتلمسان الذي بإمكاننا اليوم رؤية آثار المئذنة التي أعاد تشييدها السلطان الزناتي يغموراسن بن زيان.
السلام عليكم
رمضان مبارك
تقبل الله منكم ومنا صالح الاعمالاعمل بالمتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر بالجزائر العاصمة
ونود التحضير لمعرض يضم اعمال الفنان رشيد قريشي بعنوان les maître invisible واود مساعدتكم في الحصول على رقم هاتف او ايميل الباحث زعيم خنشلاوي
دمتم متعاونون
بوصافر مليكة - مستشار ثقافي - الجزائر - الجزائر
19/04/2022 - 538769
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/07/2011
مضاف من طرف : soufisafi
صاحب المقال : زهية منصر
المصدر : www.echoroukonline.com