الانسان متدينا منذ أن أوجده الله على الأرض
منذ بدء التاريخ والبشر يذنبون، ومنذ خلق الكوكب والكوارث لا تتوقف. وهذا
لا يجعل منهما ظاهرتين تبرزان وتختفيان، بل حقيقتين ثابتتين في التركيبة
البشرية وفي الحالة الكونية، والربط بينهما لا يحتاج إلى أكثر من إطلاق
غريزة الخوف البشرية إلى مستوياتها القصوى، وتخفيض الوعي والعقلانية لدى
الناس إلى مستوياتهما الدنيا، ثم يمكن بعد ذلك لأي واعظ فصيح أو مبشر نابه
أن يقود هذا القطيع المذعور نحو حظيرة الطاعة والخضوع بكل سهولة. .
كما يقول الفلاسفة إن الخوف هو الغريزة الأساسية التي اعتمدت عليها الأديان
في انتشارها منذ الأزل، ولكنه كان خوفاً فطرياً من الطبيعة القاسية أدى
إلى النظر للأديان كمصدر للعزاء والمواساة وتخفيف آلام الناس وأوجاعهم
الدنيوية
التدين غريزة طبيعية ثابتة ، اذ هو الشعور بالحاجة إلى الخالق المدبر بغض
النظر عن تفسير هذا الخالق المدبر . وهذا الشعور فطري يكون في الانسان من
حيث هو إنسان، سواء أكان مؤمناًَ بوجود الخالق ، أوكافراًَ به مؤمناًَ
بالما دة أو الطبيعة . ووجود هذا الشعور في الانسان حتمي لأنه يخلق معه
ويكون جزءاًَ من تكوينه ، ولا يمكن أن يخلو منه أو ينفصل عنه ، وهذا هو
التدين.
والمظهر الذي يظهر به هذا التدين هو التقديس لما يعتقد أنه هو الخالق المدبر، أو الذي يتصور أنه قد حل به الخالق المدبر.
وقد يظهر التقديس بمظهره الحقيقي فيكون عبادة،و قد يظهر بأقل صوره فيكون التعظيم و التبجيل.
و التقديس هو منتهى الاحترام القلبي ، و هو ليس ناتجاً عن الخوف بل ناتجاً
عن التدين . لأن الخوف ليس مصدره التقديس ، بل مظهره الملق، أو الهروب، أو
الدفاع، وذلك يناقض حقيقة التقديس. فالتقديس مظهر للتدين لا للخوف، فيكون
التدين غريزة مستقلة غير غريزة البقاء التي من مظاهرها الخوف.
و لذلك نجد الانسان متدينا ، ومنذ أن أوجده الله على الأرض نجده يعبد
شيئاً. فقد عبد الشمس و الكواكب، و النار، و الأصنام، و عبد الله، و لا نجد
عصراً، ولا أمة ، ولا شعباً، إلاَّ وهو يعبد شيئاً، حتى الشعوب التي قام
فيها السلطان بالقوة يجبرها على ترك التدين ، كانت متدينة تعبد شيئاً ، رغم
القوة التي تتسلط عليها، و تتحمل كل الأذى في سبيل أداء عبادتها . ولن
تستطيع قوة أن تنزع من الإنسان التدين، وتزيل منه تقديس الخالق ، وتمنعه من
العبادة ، و إنما تستطيع أن تكبت ذلك إلى زمن ، لأن العبادة مظهر طبيعي من
مظاهر التدين الذي هو غريزة طبيعية في الإنسان .
أما ما يظهر على بعض الملحدين من عدم العبادة، أو من الاستهزاء
بالعبادة،فإن هؤلاء قد صرفت غريزة التدين عندهم عن عبادة الله إلى عبادة
المخلوقات،فنراهم يقدسون حكامهم او روؤساء احزابهم مثل الشيوعية فنجد صور
وتماثيل الحكام في كل مكان وحتى في البيوت وجعل مظهرها في تقديس الطبيعية
أو الابطال أو الاشياء الضخمة أو مشاكل ذلك ، واستعملت لهذا الصرف
المغالطات والتفسيرات الخاطئة للاشياء.
ومن هنا كان الكفر أصعب من الايمان لأنه صرف للانسان عن فطرته ، وتحويل لها
عن مظاهرها . فيحتاج ذلك إلى جهد كبير وما أصعب أن ينصرف الانسان عن مقتضى
طبيعته وفطرته ! ولذلك تجد الملحدين حين ينكشف لهم الحق ، ويبدو لهم وجود
الله حسا فيدركون وجوده بالعقل إدراكا جازماً، تجدهم يسرعون إلى الإيمان
ويشعرون بالراحة و الاطمئنان ، و يزول عنهم كابوس كان يثقلهم ، و يكون
إيمان أمثال هؤلاء راسخاً قوياً لأنه جاء عن حس و يقين ، لأن عقلهم ارتبط
بوجدانهم ، فأدركوا إدراكا يقينياً وجود الله ، و شعروا شعوراً يقينياً
بوجوده ، فالتقت فطرتهم بعقلهم فكان الإيمان اقوى واشد واكثر ارتباطاً
بالواقع لإحساسهم به.
وهؤلاء لا يمكن زحزحه ايمانهم حتى لو اُستعملت القوه معهم والامثله لا تعد
ولا تحصى خذ مثلاً سحرة فرعون عندما القى موسى عليه السلام عصاه والتهمت ما
القوا فأدركوا بعلمهم ان هذا ليس بسحر وانه من عمل خالق ,فخروا ساجدين
مؤمنين برسالة موسى ورب موسى,والعلماء الذين سبحوا في الكون وشاهدوا عظمته
ادركوا ان له خالق مدبر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/03/2012
مضاف من طرف : yasmine27