العنف المتزايد في بلدان الثورات العربية ليس وليد الشارع الذي تحرك ضد الديكتاتوريات والأنظمة البائدة، بل هو ابن التطرف والحركات المتعصبة التي تحاول السطو على انتصارات الشعوب مثلما سطت أنظمة الجملوكيات من قبلها على انتصارات شعوبها ضد الاستعمار. وتدَخُّل الحركات المتطرفة دينيا وسياسيا على خط الثورات، هو إضعاف لأصوات المواطنين الذين نادوا بالحريات، بينما تسعى الإيديولوجيات المتشددة لاحتكار المشهد السياسي والوصاية على مطالب المواطنين وتحويلها وتحويرها عن وجهتها الحقيقية، وهذا أمر يشكل تهديدا واضحا لمستقبل استقرار البلدان التي عاشت شعوبها عقودا طويلة تحت سلطة الديكتاتورية العربية، في حين تسعى التنظيمات المتطرفة إلى وضعها اليوم تحت سلطة دينية متعصبة تصل حد محاولة إعلان إمارات دينية في زمن تتجه فيه الشعوب نحو المزيد من الانفتاح والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. لكن ما نراه في بعض الثورات هو هيمنة الفكر الجهادي والإسلام المسلح الذي يرفض فكرة الدولة المدنية ويعتبر أن أولويته هي الجهاد وإعلاء راية الإسلام من منظوره الجهادي المتشدد، وهذا ما سيؤدي إن طغى منطق هذه الحركات المسلحة على الثورات العربية إلى وضع العالم الإسلامي في موقع تحاصره القوى والمجتمع الدولي وتقصف كل مقوماته بالثقيل، بينما المطلوب فتح المجال لتطلعات الشعوب المسالمة التي خرجت إلى الساحات تطالب بالحرية والتعددية والحقوق السياسية والمدنية. وإن فشلت الشعوب في تحقيق ذاتها وفرض مطالبها وأذعنت لتلك القوى المتطرفة، فإن الثورات العربية ستعيش انتكاسة كبرى سيكون الفائز الوحيد فيها الأنظمة الديكتاتورية وفلولها.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 13/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد السلام بارودي
المصدر : www.elbilad.net