الجزائر

الاستثمار الوطني العام والخاص محرك التنمية الاقتصادية



الاستثمار الوطني العام والخاص محرك التنمية الاقتصادية
لا يتوقف النقاش بشأن جملة من القضايا الاقتصادية التي تصنف في خانة الملفات الساخنة بالنظر لارتباطها المباشر بالتنمية. والى جانب ما يدلي به أكثر من طرف من الضروري إسناد الكلمة للخبراء والمتخصصين في الشؤون الاقتصادية بكافة جوانبها المالية والتشريعية، انطلاقا من المقاربة التحليلية للمعطيات المحلية والإقليمية والدولية خاصة في عز الأزمة المالية العالمية التي تقف على أبواب اقتصاديات بلدان قوية مهددة بانهيار مالي محتمل بدأ في اليونان ويرشح لأن يمتد بعيدا، مما يتطلب دق ناقوس الخطر وإنارة الضوء الأحمر لتفادي المفاجأة.
الأستاذ عبد الحق لعميري، المختص في الشؤون الاقتصادية، متابع حريص لتطورات الساحة الاقتصادية الشاملة لم يتأخر في الرد على أسئلة الشعب الاقتصادي، حيث يتعرض في هذا الحوار لمواضيع تشكل نقاط نقاش مستفيض بين عدة تيارات ينبغي الحسم بشأنها بعيدا عن أي ارتجال.
هذا المتخصص الذي يمكن تصنيفه بالمستقل من حيث زاوية التحليل ورصد الموقف، يكشف عن رؤيته لمستقبل الإصلاحات، وواقع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى جانب جدوى الشراكة مع رونو الفرنسية، مرورا بالخوصصة والمنظومة البنكية، وفيما يلي مضمون الحديث:
❊ الشعب الاقتصادي: من موقع المتخصص ما هو تقييمك لمسار الإصلاحات ومصيرها وانعكاسات الانفتاح على الاقتصاد الخارجي؟
❊❊ الأستاذ عبد الحق لعميري: بالفعل جربنا العديد من أنواع الإصلاحات منذ سنة 1988، وتحققت بعض التحولات الهامة. وسجل تطور الإنتاج في القطاع الخاص خارج المحروقات من 19 إلى 70 بالمائة من 1988 إلى 2011 .
لقد عرفنا نموا اقتصاديا بأكثر من 5 بالمائة ما بين سنة 2000 إلى 2010، حتى وإن كانت ترتكز على المصاريف الغذائية والموارد الناجمة عن المحروقات.
وفي المجمل، فإن الإصلاحات لم تنتج الإقلاع الاقتصادي المرغوب ومن ثمة، فإننا بعيدين من أن نكون اقتصادا صاعدا، فالاستيراد يتطور أكثر وبسرعة مقارنة بالإنتاج الوطني. ومن الأمور المتوقعة مستقبلا يمكن أن تكون المداخيل الناجمة عن المحروقات أقل بكثير لتمويل التنمية والبرامج الاجتماعية.
❊ يراهن على الاستثمار الأجنبي المباشر والشراكة مع الرأسمال الخارجي، برأيك هل تحقق الكثير، تحقق الكثير وما هي المعوقات؟
❊❊ إن استثمارات أجنبية مباشرة وشراكة جيدين يمكنهما تسريع التنمية في البلاد بالاستعانة بالتكنولوجيا والتسيير الحديث أو المناجمنت اللذين ينقصان لدينا. ولكن يجب أن يبقى دائما الاستثمار الوطني العام وبالأخص الخاص بمثابة المحرك للتنمية الاقتصادية الوطنية. إنها مجرد حل جزئي. إن الجزائر ليست بلدا تنقصه الرساميل، وبالإمكان النمو بأقل من 10 بالمائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولكن يكون ذلك بتوجيه مستثمرينا الوطنيين نحو منتجات وخدمات الغد (الصناعة الخضراء، التكنولوجيات المتقدمة والطاقات المتجددة) وكذا تلك التي نتوفر فيها على امتيازات مقارنة.
يمكننا اقتناء التكنولوجيا، المناجمنت والمهارات التي تنقصنا. ونجذب القليل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب أن عديد البلدان يمنحون ضمانات أفضل، بينما قوانيننا تتغير باستمرار، إلى جانب قاعدة 51/49 ، إدارة ثقيلة، نظام بنكي متأخر وموارد بشرية أقل تأهيلا بالمقارنة بتلك التي لدى منافسينا.
❊ ملف الشراكة مع المتعامل الفرنسي في صناعة السيارات “رونو” تعثر كثيرا مستهلكا وقتا ثمينا، هل يمكن توقع نجاح هذا المشروع؟
❊❊ إذا ما أنهيت العملية سيكون لدينا مشروعا مهما. وأعتقد أنه سيكون بحجم أقل من ذلك الكائن بالمغرب. وحتى يمكن الاستفادة من هذه الشراكة يجب تنمية وتأهيل مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة في قطاع الميكانيكا من أجل تحسين نسبة الاندماج. وفي هذا الإطار يجب توفير المئات من المشاريع من هذا النوع للارتقاء تدريجيا إلى مصف البلدان الناشئة.
جيد أن يكون لدينا مشروع مثل هذا ولكن يجب تثمينه من خلال التوجه أكثر للمقاولة من الباطن اتجاه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وإذا وصلنا إلى نسبة 60 بالمائة من الاندماج يمكننا حينها القول بأن المشروع ناجح.
❊ غالبا ما تتهم المنظومة البنكية بالتأخر عن مواكبة الإصلاحات، ماهي الأسباب، وهل بالإمكان توقع تحقيق التغيير؟
❊❊ الملاحظ أن عصرنة البنوك متأخرة حتى وإن تم القيام بجهود. وعلى سبيل المثال تحصيل الشيكات يتم بسرعة، فيما تبقى المعاملات النقدية والخدمات. غير أن المشكل رقم واحد ليس العصرنة حتى وإن كانت مهمة إلى درجة قصوى.
وأسجل هنا حقيقة هي أنه ليس لدينا بنوك للاستثمار وهو ما يلزمنا. إننا نوجه موارد كثيرة نحو الاستيراد والمؤسسات العمومية. ويجب توجيه 80 بالمائة وأكثر من القروض نحو المؤسسات العمومية الفعالة والمؤسسات الخاصة الناجحة ولإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة جديدة، وهذا هو المشكل في العمق.
❊ تمت خوصصة الكثير من المؤسسات الاقتصادية. لماذا لم تتحقق نتائج في المستوى، وهل بإمكان الدولة استرجاع المؤسسات التي لم يحترم المستفيدون منها دفاتر الشروط؟
❊❊ لقد تمت خوصصة أكثر من 100 مؤسسة تقريبا. وفي حدود 90 بالمائة منها الأمور تمت بشكل جيد. ولدينا إحصائيات حول الظاهرة، بحيث أظهرت رسالة دكتوراه بالأرقام أن المؤسسات التي تمت خوصصتها تحسنت.
الآن هناك ما بين 9 إلى 10 بالمائة من المؤسسات التي لم تحترم دفتر الشروط. ولذلك تسجل هناك إضرابات وعناوين كبيرة على الجرائد تنشر تقارير عن هذه الوضعيات غير الطبيعية. بالطبع الجمهور يصدر حكمه المدين على العملية بمجملها. وببساطة ينبغي معاقبة الذين لم يحترموا دفاتر الشروط. ولكن يجب أن تكون الخوصصة باتجاه المؤسسات الجزائرية الفعالة حيث يمكن لإطارات داخل هذه المؤسسات الاستفادة من قروض للشراء.
❊ بعد 50 سنة من مسار القرار الاقتصادي الوطني، هل توضحت الخيارات الاقتصادية الإستراتيجية للجزائر، وهل لا يزال الحديث مجديا عن إستراتيجية صناعية؟
❊❊ يجب علينا أن نتحدث عن الإستراتيجية بشكل كلي حيث لا توجد واحدة. في مرحلة معينة، كانت لدينا واحدة موجهة لبناء اقتصاد اشتراكي وهو ما لم يكن ممكنا. ولم ينجح أي بلد في بناء اقتصاد اشتراكي فعال، ولذلك حاليا يجب أن تكون لدينا إستراتيجية إقتصادية خاصة حتى نصبح بلدا ناشئا يبني اقتصاده المفتوح على غرار بلدان مثل الصين، بولونيا، ماليزيا والبقية الأخرى.
❊ كبر القطاع الخاص وتقوى في ظل احتكار الدولة والقطاع العام. هل يقوم القطاع الخاص الوطني بواجبه الاستثماري، أم هو معرض للانهيار أمام الرأسمال الأجنبي؟
❊❊ إن القطاع الخاص المنتج يتلقى أقل من 10 بالمائة من القروض الممنوحة للاقتصاد. وبالرغم من هذا فإنه متطور بشكل معتبر. بالتأكيد إن مستواه التنافسي لا يزال ضعيفا مقارنة بالقطاع الدولي. يمكننا القيام بالكثير من الأمور لتحسينه. وبرنامج إعادة التأهيل يعد خيارا موجه لهذا الغرض. ولذلك يجب أن نعمل في محيط الأعمال، القروض، الأوعية العقارية والجوانب الأخرى. ولكننا لا يمكن القول أن القطاع الخاص فشل، فقد قام بالكثير بإمكانيات قليلة.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)