جرت العادة أن يسبق عيد الأضحى، الاحتفال بالركب المتوجهة إلى البقاع المقدسة بالحجاز، لأداء فريضة الحج، وكان السلاطين الزيانيون وكذلك المرينيون، الذين استولوا على مدينة تلمسان، يعينون في كل سنة ركبا يتوجه إلى الحجاز برئاسة أحد الشيوخ يختاره السلطان من بين رجاله المقربين إليه، والمعترف له بالحكمة والتدين، أو برئاسة أحد أفراد أسرته يحملون معهم مصاحف نسخت بتلمسان، وبعضها نسخ بخط بعض السلاطين أو الأمراء، الذين كانوا يتنافسون في إرسالها إلى البقاع المقدسة، وتحبيسها على القراء في مكة والمدينة وبيت المقدس(110).
كما كانوا لا يتوانون في إرسال المحمل، وهو عبارة عن حمل يحمل الهدايا الثمينة والكسوة، المخصصة لتغطية الكعبة الشريفة(111). ويتهيأ القاصدون للحج في أغلب الأحيان في شهر ربيع الأول، بنداء المنادي بين الناس، ومعلنا لهم بقدوم الموسم، حتى يستعد كل واحد منهم في عقد النية، وتبدأ الوفود تصل إلى عاصمة بني زيان، من الضواحي والأطراف ثم ينطلق منها الحجاج، في موكب رسمي على الجمال والخيل والدواب، يخترقون المدينة، في جو من الابتهاج والتهليل والتكبير، ولاسيما إذا كان الموكب يضم، أحد أفراد العائلة الحاكمة، فيخرج الأهل والأقارب وسكان تلمسان، في بهجة وسرور لتوديعهم(112).
وكان الشيخ أبو زكريا عمر بن جرار، أحد أفراد العائلة الحاكمة بتلمسان، قد ترأس بنفسه الموكب، الذي انطلق من عاصمة بني زيان، في شهر ربيع الأول ن سنة 724هـ/1324م(113)، وكان أبو العباس أحمد بن مرزوق وابنه الخطيب، ضمن هذا الموكب، وهي الحجة الثانية لهما(114)، التي أقاما فيها مجاورين بمكة والمدينة نحو خمس سنوات.
ولم يغفل ابن مرزوق الخطيب، للإشارة إلى قافلة الحج التي خرج فيها مع والده في المرة الثالثة أيضا، فقد انطلقت هذه القافلة من مدينة تلمسان، في أول فصل الربيع، المصادف لأول محرم من سنة 734هـ/1334م(115). وكانت القافلة تتكون من ثلاثمائة خيمة أو ''قيطون'' تضم كل خيمة جماعة من المسلمين فضلا عن الفرقة العسكرية، التي تتشكل من مائتين وثمانين فارسا، ومجموعة أخرى من الرماة لحماية القافلة، والذوذ عنها(110)، أثناء الطريق ذهابا وإيابا وإقامة، ويرافقهم ضباطهم إل مكة المكرمة، والمدينة المنورة وبيت المقدس، ويدفع لهم مقابل ذلك ما لا يكفيهم في هذه المهمة(117).
ويعني هذا أن قافلة الحج التي كانت تنطلق من مدينة تلمسان في العهد الزياني، يزيد عددها عن ألف حاج وحاجة، فضلا عن الجند والرماة، ومن ينظم إليها في الطريق من المدن والقرى التي يمرون بها(118)، وكان الحجاج يأخذون معهم ما يحتاجون إليه من مؤن وملابس، ويفضلون طعاما خفيفا، يعرف عند أهل تلمسان بالفداوش(119)، وعند افريقية ''بالدوداذ'' لكونه خفيفا للحمل من جهة، ولمكوثه فترة طويلة من الزمن يحمل في أكياس تعرف بالغرائز.
وكانوا يحملون معهم أيضا، نوعا آخر من الطعام من فصيلة العجائن، يحمل خصائص الفداوش، يعرف ''بالمحمصة''(120)، وتميزت السنة التي خرجت فيها هذه القافلة بكثرة الخصب، بحيث لم يستهلك فيها الحجاج، ما أخذوه معهم من مؤن أثناء الطريق، وإنما وجدوا متوفرا ما يحتاجونه من الحم والدقيق خلال رحلتهم، من باب مدينة تمسان إلى باب الإسكندرية، ثم القاهرة التي وصلوا إليها في جمادى الآخرة من نفس السنة (734هـ/1334م)(121)، أي بعد رحلة دامت ستة أشهر كاملة ولم تتعرض هذه القافلة كما يشير ابن مرزوق، إلى ما كانت تتعرض له أحيانا، من مخاطر الطبيعة، كالحر والجفاف ونقص الماء والمؤونة، ونجت من أيدي اللصوص وقطاع الطرق، والأمراض والطواعين والغلاء وموت الدواب، طوال الرحلة البرية التي مرت ببجاية وتونس فطرابلس وبرقة، وكانت هذه المنطقة الأخيرة من أخطر المناطق على الحجاج (طرابلس-برقية) ومنها إلى الإسكندرية والقاهرة، والخليل وبيت المقدس فالعقبة الكبرى، حيث يتقاطع طريق الشام بطريق مصر، ثم المدينة المنورة ومكة المكرمة(122).
وكانت قافلة الحج، تجمع بين الخشوع الديني والمظهر الاحتفالي، تحمل معها رايات تدل على مقاصدها، تظهرها عندما تصل إلى قرية أو مدينة، وكان الحاج في المجتمع التلمساني، يكسب وجاهة اجتماعية وسلطة روحية وأبوية، ويلقب بالحاج كما كان أبناء ابن مرزوق العجيسي يدعون بأبناء الحاج(123).
ويتعاطى أغلب الحجاج التجارة، أثناء الرحلة والواقع أن قافلة الحج، كانت حسب بعض التقديرات تعد في بلاد المغرب من أهم القوافل التجارية على الإطلاق، وإن التجارة في موسم الحج تعوض تجارها عناء السفر والمشقة بأرباح هامة(124)، بحيث كانوا يحملون معهم من الحجاز سلعا تباع في بلاد المغرب، بأثمان عالية مثل: العقيق واللك، الفلفل والعود والمسك ونحو ذلك(125).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com