الجزائر

الاحتجاجات ضربت خطاب إنجازات الرئيس في العمق



 موازاة مع الحل التقني الذي لجأت إليه الحكومة لتسقيف أسعار المواد الغذائية التي كانت السبب المعلن في تأجيج الاحتجاجات، تتجه الأنظار إلى الشق السياسي لهذه الأزمة، حيث يتعين على رئيس الجمهورية اتخاذ إجراءات مماثلة من شأنها إخراج البلاد من حالة الاستقرار الهش والمؤقت إلى الحل الدائم.
حتى وإن حاولت السلطات العمومية اختصار الحركة الاحتجاجية في مطالب أسعار الزيت والسكر، إلا أن القضية أعمق من ذلك بكثير وتقتضي حلولا تتجاوز مسألة إلغاء الرسوم الجمركية التي على المستوردين ومسح الضريبة على القيمة المضافة، إلى نقل البلد من حالة الغلق السياسي إلى أفق يعيد للجزائريين الأمل المشروع في دولة حريصة على العدالة الاجتماعية في توزيع الريع البترولي والديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان.
ومما لا شك فيه، أن حكم الرئيس بوتفليقة، بصيغة أو بأخرى، تلقى ضربة خلال هذه الأحداث لم تكن منتظرة من طرفه، خصوصا في عامه الثاني من العهدة الثالثة، بغض النظر إن كانت هذه الأحداث مفبركة أو عفوية، ورسالتها تشير إلى أن سقف وعوده في بداية حكمه لا علاقة لها بما جرى بعدها. وهو ما يجعله مطالبا باستعمال كل أوراقه لإعادة الثقة التي اهتزت، خصوصا في نظر شريحة الشباب الذين تولد لديهم إحساس عميق بأنهم لا يجدون أنفسهم في برامج التنمية المقترحة لحد الآن. بعبارة أخرى، سقف المطالب المطروحة في هذه الأحداث الفريدة من نوعها من حيث درجة العنف، تظهر للإنسان عديم الملاحظة، أنها تتعدى بكثير قضية الزيت والسكر إلى المطالبة بتغيير جذري في السياسة التي اعتمدت إلى حد اليوم في تسيير شؤون البلاد. لكن هل يملك الرئيس الأوراق لتغيير هذه المعادلة ؟
بإمكان الرئيس استعمال ورقة حل البرلمان لضرب عصفورين بحجر واحد، من جهة ترضية الشارع عن طريق معاقبة ممثليه من النواب الذين لم يحسنوا تحسس ونقل انشغالاته لأعلى السلطات، ومن جهة ثانية كسب دعم تشكيلات حزبية في المعارضة لم تخف مطالبتها بحل البرلمان الحالي، على غرار حزب العمال والنهضة والجبهة الوطنية الجزائرية، وبدرجة أقل الأرسيدي والأفافاس. لكن ما دام الرئيس لم يحل هذا البرلمان غداة إجراء الانتخابات في 2007 بعدما سجلت نسبة الاقتراع قرابة 35 بالمائة فقط، ليس بمقدوره فعل ذلك اليوم والمغامرة باحتمال أن تنجب له الانتخابات المسبقة أغلبية في غير صالحه، بالنظر إلى حالة الاحتقان الموجودة اليوم في الشارع.
كما يملك رئيس الجمهورية ورقة أخرى لها وزنها وأهميتها، وتتمثل في تغيير جذري للحكومة، وهو حل قد يشكل حقنة مهدئة للشارع في الظرف الحالي، لكن هذا التغيير لا يمكنه أن يأتي بسياسة جديدة، لأن تغيير وزراء بوزراء آخرين لن يكونوا خارج خيارات أحزاب التحالف الرئاسي، خاصة إذا كان الرئيس يطمح، مثلما أعلن عنه عبد العزيز بلخادم، في الترشح في ,2014 ما يجعل كل قراراته المنتظرة مرتبطة بتوازنات من الصعب تجاوزها.
لكن الرئيس، الذي يكون قد فهم من أين جاءت هذه ''الضربة'' التي تم استعراض جزء من قوة عضلاتها في الشارع، لا يزال يمسك بالكثير من خيوط اللعبة السياسية، وبإمكانه اتخاذ إجراءات موجعة لخصومه، يتم بموجبها ترتيب أوراق البيت الرئاسي قبل رحيله عنه، وهو أحد الرهانات التي غذت وغلفت أحداث الشارع.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)