عادت مؤخرا بقوة موجة الاحتجاجات وهي تتوسع من يوم لآخر ومست جل القطاعات آخرها خروج تلاميذ الثانويات إلى الشارع، وتبقى المطالب الاجتماعية من بين الأسباب الرئيسية لهذه الاحتجاجات على رأسها السكن، الشغل، انقطاع الكهرباء والماء، تحسين ظروف المعيشة وكذا »الحقرة« التي يُمارسها مسؤولون على مستوى مختلف الإدارات بما فيها المؤسسات، البلديات وغيرها. وإذا أصبحت هذه الظاهرة عادة تتكرر مطلع كل سنة فالشيء المُغاير هذه المرة كونها تأتي موازاة مع الإصلاحات وعشية التشريعيات وفي ظل الأحداث التي تشهدها بعض الدول العربية ما يجعلها عرضة للاستغلال السياسي بالنظر إلى شرعية المطالب.من بين أهم الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر مؤخرا، تلك التي قام بها عمال المنطقة الصناعية بالرويبة التي تضم أكثر من 100 مؤسسة اقتصادية على رأسها المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية التي تضم لوحدها أكثر من 7 آلاف عامل وهي المعروفة بقوة نقابتها التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو ما تطلب تدخل وزارتي الصناعة والعمل بالتنسيق مع قيادة المركزية النقابية واتخاذ إجراءات عاجلة خوفا من استغلال العمال في الخروج للشارع مثلما هددوا بذلك، وقد تلت هذه الاحتجاجات تلك التي شهدتها بعض الولايات الوطن عمليات توزيع السكن الاجتماعي، انقطاعات الكهرباء والماء وكذا الإجراءات المتخذة ضد التجار الفوضويين، مثلما حدث في الأغواط، وهران، قسنطينة، عنابة، سيدي بلعباس، الجزائر العاصمة وغيرها، لتأتي احتجاجات تلاميذ الثانويات الذين طالبوا بتحديد عتبة دروس البكالوريا وتأخير الامتحانات إلى ما بين 9 و11 جوان بدل 3 جوان الذي أقرته وزارة التربية، إضافة إلى الاحتجاجات التي شنها عمال الأسلاك المُشتركة والتي عادلت ثلاث إضرابات في ظرف لم يتعد 15 يوما واحتجاج الأساتذة الاستشفائيين.
وإذا كانت جل المطالب التي رفعها المحتجون شرعية، فإن البعض منها مُبالغ فيها وليس لها أي أساس، كمطالبة الثانويين بتأجيل شهادة البكالوريا وتحديد عتبة الدروس أو فرض أسواق فوضوية على الأرصفة.. لكن بعيدا عن شرعية المطالب من عدمها، يبقى الظرف الذي تأتي فيه هذه الاحتجاجات يُسهل من عملية الاستغلال السياسي لها، باعتبار أن الجزائر باشرت تحضيراتها للانتخابات التشريعية المرتقب إجراؤها شهر ماي المقبل وتعيش في الوقت نفسه على هاجس التغييرات الحاصلة في بعض الدول العربية، وهو ما حذرت منه عدة مرات أحزاب ومنظمات نقابية ولجأت إلى حد اتهام أطراف مُعينة بالوقوف وراء ذلك والعمل على زعزعة الاستقرار الوطني لتحقيق مصالحها.
والغريب في الأمر أن السلطات العمومية لا تزال تتعامل مع الملفات الاجتماعية، التي غالبا ما كانت سببا في في اندلاع الاحتجاجات، بنوع من العشوائية والفوضى والارتجال وذلك مقابل وجود قناعة لدى المواطنين أن الاحتجاجات هي الطريق الأمثل لتحقيق مطالبها وهو ما تجسد ميدانيا في العديد من المرات، فرغم الدرس الذي مر على الجزائر بداية جانفي 2011 حيث شهدت بعض الولايات احتجاجات كادت أن تُدخل الجزائر في متاهات أخرى، جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلا أن السلطات لم تأخذ الدرس بعين الاعتبار بالنظر إلى كون نفس الظاهرة تُعيد نفسها وبشكل حاد منذ مطلع السنة الجارية وهو ما تجسد في ارتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية وغير الغذائية، بحيث بلغ سعر الدجاج والسردين 400 دج للكيلوغرام والحمص إلى 210 دج وغيرها من المواد الأساسية وذلك دون تسجيل إجراءات صارمة من قبل الحكومة.
ومن هذا المنطلق، يؤكد بعض الملاحظين أن السلطات العمومية مُطالبة أكثر من أي وقت مضى اعتماد الدقة والتأني في التعامل مع هذه الحركات سيما وأن جل المطالب المرفوعة شرعية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/01/2012
مضاف من طرف : archives
صاحب المقال : ف بعيط
المصدر : www.sawt-alahrar.net