دعا الإعلامي والكاتب المصري حمدي قنديل إلى ضرورة اقتران الحرية في الإعلام بالمسؤولية تجاه المجتمع، كما اعتبر أنّ دعوة الجزائر لتقديم مذكراته شرف عظيم يعتز به؛ باعتبار أنّ هذه الأرض احتضنت ثورة عظيمة، قدّمت للإنسانية دروسا لا تُنسى، مضيفا أنّ أمله كبير في انقشاع السحابة السوداء التي تَغشى سماء بعض الدول العربية.وذكر حمدي قنديل خلال الندوة التي نشّطها أوّل أمس بقاعة "علي معاشي" (قصر المعارض)، في إطار "سيلا 2014" بعنوان "قراءة في المشهد الإعلامي العربي الراهن"، علاقته بالجزائر، التي بدأت قبيل الاستقلال، حينما كان في وجدة رفقة جيش التحرير بقيادة الرئيس الأسبق هواري بومدين؛ استعدادا للدخول إلى الوطن بعد استفتاء تقرير المصير، مضيفا أنّه عاد إلى الجزائر بعد 24 سنة، ثم زارها بعد انتخاب الرئيس بوتفليقة في سنة 1999؛ حيث حاوره وأُعجب به كثيرا.وأشار المحاضر إلى رفض وزير الإعلام المصري آنذاك بث حوار بوتفليقة الذي دام ثلاث ساعات في جزءين؛ بحجة أنّ الرئيس الأسبق حسني مبارك لا يزيد خطابه عن ساعة واحدة؛ فكيف يُبث حوار لرئيس غير مصري يدوم أكثر من ذلك؟ إلاّ أنّ قنديل قال بأنّ السبب الحقيقي هو طيف المصري الأسبق جمال عبد الناصر، الذي يزعج مبارك.أما حواره مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، فقد استمر لمدة أربع ساعات كاملة، وفيه ذكر القذافي أمورا متعلقة بالسياسة، وأخرى طريفة؛ كأن يضمّ فريق كرة القدم أكثر من 11 لاعبا، بل من الأفضل أن يلعب الجميع هذه الرياضة؛ أي أن يشارك الجمهور فيها، أو رفض القذافي إنشاء رياض الأطفال، ورغبته في حذف الطور الابتدائي من الدراسة!في شق آخر، تحدّث قنديل بإسهاب عن ماهية الإعلام، وقال إنّ تجاربه الكثيرة في الحياة والتي كانت فيها الكثير من المفاجآت والمفارقات، دفعته لاختيار عنوان سيرته الذاتية ب "عشت مرتين"؛ أي أنّه عاش الكثير من الأحداث، مشيرا إلى أنّه أراد بهذا العمل ترك رسالة للشباب، عمادها التحلي بالشجاعة والعزيمة لمواجهة غوائل الزمن.كما أكّد صاحب برنامج "قلم رصاص" أنّه يصبو للحرية، وهو ما كلّفه غاليا خاصة مصادرة جرائد عمل بها، ومنع حصصه من البث، مضيفا أنّه إذا استمرت أحوال الإعلاميين على هذه الحال فلا جدوى لحياة ثالثة، وأنه لا مَخرج إلا بتحوّل دولنا إلى دول ديمقراطية.وناشد قنديل الإعلاميين عدم الاندفاع لمهاجمة السلطة؛ لأنّنا "نحن" سبب غياب الحرية؛ حيث يتلقى الإعلامي الأوامر والتوجيهات، وينتشي إذا اتّصل به مسؤول أو شبه مسؤول، وينافق السلطة، لينتقل إلى قضية "الخط الأحمر"، الذي يفشل الإعلامي في تبيانه بسبب خوفه رغم أنّه في الحقيقة "خطّ وهمي"، يتغيّر حسب نوع الإعلام وتقلّبات الزمن.وفي هذا السياق، ذكر المحاضر أنّ هناك خطا أخطر من الخط الأحمر، وهو الفاصل بين الحرية والمسؤولية؛ أي أنّ ما ينتجه الإعلامي يجب أن يتحلى بمسؤوليته أمام المواطن، مشيرا إلى أنّ هذا الخط لم تتفق عليه السلطة وأهل المهنة، ليطالب بالمزيد من الحرية للإعلام، لكن بمسؤولية.وتطرق الإعلامي لمهام الإعلام أمام المجتمع، وقسّمها إلى ثلاثة، وهي الإخبار والتعليم والترفيه. وقال عن مهمة الإعلام الأولى والمتعلقة بالإخبار، إنّها تمثّل مجال صدام بين السلطة والإعلام، ليقسّم هذه المهمة بدورها، إلى إعلام عمومي موال للحكومة، ولا يُعتبر صوت الشعب، وإعلام خاص محتكر من أصحاب رؤوس المال، الذين يخدمون مصالحهم.ودعا قنديل إلى وضع هياكل وقوانين لتنظيم الإعلام، وهو من مهام الإعلاميين رغم أنّه أكّد صعوبة المهمة، لذلك طالب بإنشاء هيئات تمثّل المجتمع وتجمع طوائفه؛ حيث يرتقي الأداء الاعلامي نحو حماية حق المستهلك من دون تزييف للحقائق ولا حجب للآراء.أمّا المهمة الثانية للإعلام والتي أوضح حمدي أنها تخصّ التعليم والتثقيف، فقال في سياقها إنّ الثقافة تشمل كلّ نشاطات الحياة، وهي مجمل ما يحقّقه الإبداع الإنساني. وإنّ الإعلام فرع من فروع الثقافة، كما يتّسم بالخطورة؛ لأنّه يؤثّر على التفكير والسلوك، حيث يمكن أن يغيّر من اتّجاهات الجمهور، ويفرض، مثلا، ثقافة أجنبية، ليؤكّد أنّ الإعلام مازال أسير الاختراق الثقافي ليس فقط في المضمون، بل في الشكل أيضا.وعن المهمة الثالثة للإعلام تحدّث حمدي قنديل، فقال إنّها نتيجة للمنافسة بين القنوات خاصة بعد دخول العنصر التجاري في تسييرها، فأصبح للإثارة وبرامج الجنس وغيرهما مكانة في هذه القنوات، مضيفا أنّ الإعلام العربي مايزال بعيدا عن اتّخاذه مسؤولية الترفيه الراقي، وهو ما فشل في تحقيقه في ظل غياب المهنية الحرفية، وبالضبط غياب ما يسمى تدريب وتكوين الإعلاميين.وتوقّف حمدي قنديل عند نقطة تكوين الإعلاميين، فكشف أنّه كان من المقرر أن ينشّط محاضرة في المدرسة العليا للصحافة، ولكن نظرا لضيق الوقت تعذّر تحقيق ذلك، لينطلق في تقديم نصائح لإعلاميّي المستقبل من الطلبة، من بينها القراءة، الاجتهاد، إتقان اللغة العربية ولغة ثانية على الأقل، التعرّف على الآخر وفهمه، النزاهة والتحريض الشريف، الصدق، قول كلمة الحق، محاربة الفساد، عدم الخلط بين الإعلام والإعلان، تصحيح الأخطاء، تشكيل نقابات، الحفاظ على مبادئ الأديان وغيرها.بالمقابل، عرفت المناقشة التي تلت تقديم حمدي قنديل مداخلته قبل أن يقوم ببيع سيرته الذاتية بالإهداء، حدة من خلال أسئلة بعض الحضور حول موقف الإعلامي المعروف من رجال السلطة في الجزائر، ومن بينهم الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، وكذا موقفه من الإخوان المسلمين وحادثة "رابعة" وغيرها، إلاّ أنّ قنديل رد بأنه قدم إلى الجزائر للحديث عن الإعلام، وأنه لن يردّ على أسئلة متعلقة بالسياسة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/11/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : لطيفة داريب
المصدر : www.el-massa.com