الجزائر

الإصلاحات السياسية لسنة 2011 ... استكمال بناء مؤسسات الدولة بعد استتباب الأمن تزامنا مع إحياء الذكرى ال50 لاسترجاع السيادة الوطنية



يتزامن إحياء الذكرى ال50 لاسترجاع السيادة الوطنية (1962-2012) والجزائر تخوض مسارا إصلاحيا بدأته بمراجعة جملة من القوانين الأساسية تعززت يوم العاشر ماي المنصرم بالانتخابات التشريعيات في انتظار الانتخابات المحلية و الشروع في تعديل الدستور.
وتندرج هذه الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، في إطار استكمال مسار بناء الدولة الجزائرية التي استرجعت مكانتها بين الأمم بفضل تضحيات الجزائريات والجزائريين طيلة قرن و32 سنة من الاحتلال الفرنسي الاستيطاني.
كما تمثل حزمة الإصلاحات الأخيرة استمرارا لتلك التي شهدتها الجزائر المستقلة عقب أحداث 5 أكتوبر 1988 والتي أعقبها إصدار دستور جديد و وإقرار التعددية الحزبية التي كانت مرفوقة بسن جملة من القوانين تطلبتها تلك المرحلة على غرار قوانين الجمعيات والإعلام التعددي الحر.
ولم يكتب لذلك المسار أن يستفيد من النضج الكافي إذ بعد بضع سنوات من الشروع في تجربة التعددية (خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي) دخلت الجزائر في أزمة سياسية غداة استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في جانفي 1992 أعقبه تنصيب المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد بوضياف الذي اغتيل 6 أشهر من بعد.
وقد عاشت الجزائر في تلك السنوات اضطرابات أمنية غير مسبوقة بفعل الأعمال الإرهابية المتكررة مخلفة خسائر جسيمة في الأرواح و الممتلكات والمرافق العمومية منها و الخاصة. وبعد سنوات من الألم و الازمة الامنية دشن وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى رئاسة الجمهورية سنة 1999 عهدا جديدا من خلال شروعه في جملة من الإجراءات و النصوص القانونية سمحت تدريجيا باستتباب الأمن من بينها الاستفتاء الشعبي حول قانون الوئام المدني في سبتمبر 1999 ثم الاستفتاء الخاص بالميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية ستة (6) سنوات من بعد في سبتمبر من سنة 2005.
ومع العودة المسجلة للسلم والأمن الى مختلف ربوع الوطن و دخول الجزائر في مشاريع تنموية متعددة القطاعات أعلن الرئيس بوتفليقة العام الماضي رفع حالة الطواريء التي تم سنها بداية من 9 فبراير 1992 ثم تمديدها من خلال مرسوم تشريعي حمل رقم رقم 93-02 مؤرخ في 6 فبراير 1993 وذلك بسبب "المساس الخطير والمستمر بالنظام العام المسجل في العديد من نقاط التراب الوطني واعتبارا للتهديدات التي تستهدف استقرار المؤسسات وللمساس الخطير والمتكرر بأمن المواطنين والسلم المدني".
فبعد حقبة زمنية كانت الأولوية فيها لاستتباب الأمن والطمأنينة جاءت حزمة الإصلاحات السياسية الأخيرة لتنقل الجزائر المستقلة إلى عهد جديد من الديمقراطية والحريات و حكم المؤسسات. ويتعلق الأمر بخمسة قوانين عضوية تخص "نظام الانتخابات" و"حالات التنافي مع العهدة البرلمانية" و "توسيع فرص تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة" و "الإعلام" و "الأحزاب السياسية" إلى جانب القانونين المتعلقين ب"الجمعيات" و"الولاية" في انتظار استكمال هذه الخطوة بمراجعة الدستور المنتظرة سنة 2012.
وقد تمت المصادقة على كافة هذه القوانين من قبل غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) بعد نقاشات أثرت النصوص و عدلت في بعض الأحكام الواردة فيها. كما سبق عرض هذه القوانين على غرفتي البرلمان نقاش مستفيض على مستوى هيئة المشاورات حول الإصلاحات السياسية التي استحدثت خصيصا من أجل التعرف على انشغالات ومطالب الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية.
ويعد القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الذي يتضمن 283 مادة، أول قانون تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان. ويرمي هذا القانون إلى "تعميق" الممارسة الديمقراطية عبر "تكريس الشفافية و القواعد الضامنة لاختيار شعبي نزيه و حر إلي جانب تعزيز الضمانات قصد توطيد علاقات الثقة بين المواطنين و المنتخبين و المؤسسات".
كما تتضمن أحكام القانون الجديد "مراقبة العملية الانتخابية" من قبل قضاة و استعمال صناديق اقتراع شفافة و تسليم محاضر فرز أوراق الانتخاب لممثلي المترشحين المنتمين للأحزاب أو الأحرار. من جهته نص القانون العضوي المحدد لكيفيات توسيع تمثيل المرأة على مستوى المجالس المنتخبة على وضع مسار تدريجي في نسب الترشح النسوي على مستوى المجالس المنتخبة تتراوح بين 20 و 50 %.
وفي هذا الإطار كان لدخول 146 إمرأة المجلس الشعبي الوطني عقب الانتخابات الاخيرة صدى ايجابيا على المستوى الدولي إذ أشادت العديد من الدول والمنظمات بهذه التجربة التي ارتقت بالمرأة الجزائرية إلى مصف مثيلاتها في البلدان المتقدمة من حيث المشاركة في العمل السياسي.
أما القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية المتضمن ل 7 مادة فقد تضمن أحكاما "أعادت تنظيم العلاقة بين الإدارة و الأحزاب" في إطار "متوازن وشفاف و متناغم" يقوم على مبدأ احترام الطرفين للقانون خلال ممارسة مهامهما.
وينص القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية كذلك على "الالتزام بعدم تأسيس أي حزب سياسي أو ممارسة أي نشاطات مخالفة لقيم ثورة أول نوفمبر 1954 و الإسلام و الهوية الوطنية أو على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو ممارسة طائفية أو تمييزي".
كما جاء القانون العضوي المتعلق بالإعلام —الذي ورد في 132 مادة —ب"حماية أفضل" للصحفي على الصعيدين الاجتماعي و المهني مثلما نص أيضا على "إلغاء أحكام السجن المتعلقة بجنح الصحافة". و يتضمن هذا القانون "إنشاء هيئتين للضبط" تخص الأولى الصحافة المكتوبة (حلت محل المجلس الأعلى للإعلام الذي اقره قانون 90-07) أما الثانية فتتعلق بضبط الحقل الإعلامي السمعي البصري وهو القطاع المدعو للانفتاح.
ويرمي القانون المتعلق بالجمعيات بدوره إلى "بعث و تفعيل العمل الجمعوي من خلال إبراز القدرات و الكفاءات التي تزخر بها سيما في مجالات المعرفة والتكنولوجيات المتطورة و التضامن الوطني". وعلاوة على القوانين المندرجة في إطار الإصلاحات السياسية صادق نواب غرفتي البرلمان السابق على القانون المتعلق بالولاية —الذي ورد في 183 مادة— و يهدف إلى تمكين هذا الفضاء من أداء دوره في "ممارسة السيادة الوطنية في إطار وحدة الدولة".
على مستوى الحراك السياسي تميزت الساحة الوطنية مؤخرا بظهور نحو 30 حزبا سياسيا جديدا عاكسا بذلك روح التعددية والاختلاف في إطار قوانين الجمهورية وقد ظهر ذلك جليا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في انتظار المواعيد المقبلة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)