الجزائر

الإصلاح مهمة الجميع. والفساد عقوبة للجميع



الشيخ: قسول جلول
واقع مجتمعنا اليوم يُنبئ عن وجود حاجة وضرورة ماسَّة وملحَّة إلى الإصلاح الشامل حيث تتجاذب الاتجاهات والأفكار وغيرها إلى ميدان الإصلاح وكل اتجاه يحسب أنه المصلح لهذا المجتمع حتي تاه الكثير وضاعت معالم الإصلاح ولكي نصلح من حال مجتمعنا لابد من التعرف على منهج المصلحين .
للنهوض بأمتنا إلى بر الأمان وإنقاذها مما هي فيه من الهوان فعلينا أن نستوعب منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح وكيف دعوا أقوامهم إلى الفلاح بعد أن كانوا مختلفين وعن الحقيقة متفرقين كما قال الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَوَمُنْذِرِينَ ﴾ البقرة: 213
والإصلاح الاجتماعي مرهون بإدراك كل فرد حقوقه وواجباته فالمجتمع كله مسئول عنه فإذا أدّى إلى خصومة أو نزاع بين أفراد المجتمع فلابد أن يتدخل كل بقدر طاقته نستطيع أن نشبّه الأمراض الاجتماعية بالحريق لكن حريق لا يدمر البنيان والحجارة ولا يهدم الجبال الرواسي ولا يقطع منابع الماء ولكن يأكل القلوب والضمائر ويهدم كل معاني الألفة والمحبة والخير في الصدور والصلاح مختص في أكثر الاستعمال بالأفعال وقوبل في القران تارة بالفساد وتارة بالسيئة قال تعالى ﴿ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ﴾ التوبة: 102 وقال أيضا ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ الأعراف: 56.
والصلاح هنا يراد به أن يكون الإنسان صالحاً في ذاته أي يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة ثم أهل بيته و يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل وطنه وبتوافر عنصري الصلاح في النفس والإصلاح للنفس يتحقق للإنسان اكتمال فضيلة أخلاقية قرآنية ذات شقتين يكمل احدهما الأخرى وهي الصلاح والإصلاح.
والعلاقة بين الصلاح والإصلاح أكيدة ولا ينفكان عن بعضهما البعض وإلاّ فما الفائدة من الصالحين؟
فالإصلاح قوام بقاء المجتمع وخيريته لكن لا تنفك علاقته عن الصلاح فلا صلاح بدون إصلاح ولا إصلاح بدون صلاح قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد:11
الله تبارك وتعالى أمر بالإصلاح وأثنى على المصلحين ونهى عن الفساد وذم المفسدين.. فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النحل: 90.
و جعل نشر الصلاح والإصلاح ومقاومة الفساد والإفساد سببًا في دفع العقوبات وحلول البركات فقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْم وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ هود: 117. و محمدً رسول الله صلى الله عليه وسلم ساومته قريش على أن يترك مهمة الإصلاح التي بعثه الله تعالى لأجلها وأغروه بأعلى الجاه وأوفر المال فما قبل مساومتهم ولم يخضع لتهديداتهم ومضى في إصلاحه حتى أظهره الله تعالى عليهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (يا عمّ والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته.
وأن من سنن الله تعالى في البشر أن أوجد فيهم المصلحين والمفسدين وجعل الصراع بين الفريقين إلى آخر الزمان وحين أخبر الله تعالى أنه مستخلف بشرًا في الأرض خاف الملائكة من فساد البشر.. فقال تعالى ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ [البقرة: 30] فأجابهم الله تعالى بقوله ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30] وما يعلمه سبحانه وتعالى أن سعي المصلحين بالصلاح في الأرض فيه من المصالح ما يربو على فساد المفسدين ويكفي المصلحين شرفًا وعزًّا أن الله تعالى نوّه بهم في أول خطابات خلق البشر كما تدل هذه الآية على أهمية الإصلاح في الأرض وأن كثرة المصلحين خير للبشرية كما أن وجود المفسدين شؤم عليها.
وتتابعت شرائع النبيين عليهم السلام تسعى بكل أنواع الإصلاح وتحارب الفساد في كل مجالاته فقال تعال: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56
واجتمعت كلمة أنبياء الله تعالى عليهم السلام لأقوامهم على قولهم كما قال تعالى
﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ البقرة: 60 ولأهمية الإصلاح في الأرض فهو من صفة الأنبياء والمرسلين وهو من شيمة المؤمن: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105
ومهمة الصالحين هي العناية بالأرض والعمل على استقامة الحياة البشرية وأن يكون زمامها بيد الصالحين المصلحين وجاءتْ كلمة المصلحين في القرآن على نحو كبير
يقول تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146].
ويقول تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَة ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 119]
وقال تعالى في النهي عن الفساد في الأرض قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ البقرة: 11.
وقال تعالى في الإصلاح بين المتخاصمين أو المتنازعين في الأمر كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ النساء: 35 وقال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128الى آخر ما ورد في جميع مناحي الحياة
فعلى المجتمع أن يقوم لإخماد أي نزاع ولو كان ذلك بين زوج وزوجته قال تعالى ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ
اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء:35
إذا كان المجتمع يطالب بالإصلاح في نزاع وقع في أسرة فكيف بنزاع أكبر فيه هدم الأسر قال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9
بعد أن دعا أنبياء الله إلى التوحيد الخالص قاموا بإصلاح ما أفسده الناس في جميع شؤون الحياة ومن تلك الإصلاحات:
إصلاح الوضع الاجتماعي:كان الصراع الطبقي من الأوضاع الفاسدة في قوم نوح وكان الملأ يرفضون الاستجابة لدعوة نوح عليه الصلاة والسلام بحجة أن أتباعه من الفقراء والمساكين كما قال الله حكاية عنهم ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾ [هود: 27.
فلما جاء نوح عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى التوحيد ثم أنكر عليهم فعلهم ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ هود: 29وأما الملأ من قومي عاد وثمود فقد استخدموا البنايات العظيمة ليصدوا الناس عن عبادة الله فلما أرسل الله هوداً عليه الصلاة والسلام - إلى عاد دعاهم إلى التوحيد ثم قال لهم: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيع آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾ الشعراء: 128.
وكذلك ما قام به صالح عليه الصلاة والسلام من دعوة قومه إلى التوحيد ثم قال لهم ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ [الشعراء: 149].
وقال أيضا والحسرة في قلبه على قومه: ﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 79]. أي أنه: أبان عن نفسه أنه لم يأل جهداً في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح.
والإصلاح الاجتماعي مرهون بإدراك كل فرد حقوقه وواجباته فالمجتمع كله مسئول عنه فإذا أدّى إلى خصومة أو نزاع بين أفراد المجتمع فلابد أن يتدخل كل بقدر طاقته نستطيع أن نشبّه الأمراض الاجتماعية بالحريق لكن حريق لا يدمر البنيان والحجارة ولا يهدم الجبال الرواسي ولا يقطع منابع الماء ولكن يأكل القلوب والضمائر ويهدم كل معاني الألفة والمحبة والخير في الصدور فعلى المجتمع أن يقوم لإخماد أي نزاع ولو كان ذلك بين زوج وزوجته قال تعالى ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35.
إن القرآن الكريم ملئ بالنماذج الحيّة التي تمثل أنموذج الشخصية الإصلاحية من الأنبياء والمصلحين الذين جعلهم القران بمثابة مؤسسة علمية كبيرة تعطي الضوء على كل ما يحتاجه المصلح في ميدان إصلاحه كل في ميدانه وإن مهمة الإصلاح ليست مهمة الأنبياء والرسل والدعاة فقط بل مهمة كل مسلم غيور على دينه ووطنه فأهل الفساد يبذلون ليل نهار من مال ووقت وجهد للنيل من الإسلام والمسلمين فحري بأهل الصلاح أن يبذلوا ما في وسعهم من طاقة لإصلاح ما أفسده الآخرون والأمر لا يحتاج شهادات ولا بلاغة في القول ولا فصاحة في اللسان وإنما يحتاج إلي غيرة وإيمان وعزيمة صادقة وإرادة قوية.
فالصلاح والإصلاح:
هما الحصن الحصين لبقاء المجتمع في أمن وسلام


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)