لمحات من سورة الحجرات
الإصلاح بين المسلمين
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ سورة الحجرات : 9 10.
سبب النزول:
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبي فركب حمارا وانطلق معه المسلمون يمشون فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني فو الله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه وغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها نزلت فيهم: (وإن طائفتان.....) . الحجرات9
مناسبة الآية لما قبلها :
لما نبه سبحانه وتعالى على وجوب التبين من نبأ الفاسق فقد يأتي الفاسق إلى قوم بنبأ كاذب على قوم آخرين فإذا سارعوا بتصديق نبأه سيقع القتال والفتنة ولذا جاءت الآية الكريمة كأنها بيان لما عساه أن يقع بالمخالفة وعدم التبين والمسارعة بأخذ خبر الفاسق فيقع مضرة على هؤلاء الناس ويقع القتال بين الفريقين.
فيكون هذا العلاج: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } فكأنه يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا بسبب نبأ فاسق جاءهم فتداركوا الأمر وأصلحوا بينهم ولا تتركوهم على ما هم عليه وإن كانوا فرطوا في عدم التثبت لا تفرطوا أنتم في عدم الإصلاح وهذا ترتيب في غاية الإعجاز.
التفسير التحليلي
﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ ﴾ يعني: فرقتان من المؤمنين
﴿ اقْتَتَلُوا ﴾ أي: حصل بينهم ما يسبب القتال أوالاختلاف المؤدي إلى الاقتتال
وهذا في أي خلاف خيف أنه يقع منه غير القتال كالمقاطعة والفجور بالخصومة والتباغض والسباب ونحو ذلك فعلى البقية أن يسعوا في الإصلاح بينهم .
ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) والصلح هو السعي في المؤاخاة وإزالة ما بينهما من العداوة والحرص على تأليف القلوب فيما بينهم وجمعها وإزالة العداوة والشحناء والقطيعة.
﴿ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ إذا قدر أن إحداهما امتنعت من الصلح قالت: لا نقبل ولا بد أننا نقاتلهم فإنهم اعتدوا علينا وظلمونا فلا نرضى بل لا بد أن نقاتلهم أو ما أشبه ذلك.
قوله: ﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ﴾ البغي هو التعدي ومجاوزة الحد
فهؤلاء هم الذين يقاتلون يقاتلهم بقية المؤمنين حتى يرجعوا ﴿ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ يعني حتى ترجع هذه الطائفة الممتنعة
﴿ فَإِنْ فَاءَتْ ﴾ ورجعت فعند ذلك أصلحوا بينهما والفيئة الرجوع أُخذت من الفيء وهو الظل في آخر النهار لأن الظل في أول النهار يكون إلى جهة الغرب لمجيء الشمس من الشرق فإذا جاءت إلى كبد السماء وتحولت إلى المغرب تحول الظل إلى الشرق.
وهذا هو الفيء.
فكذلك من كان على طريق فرجع عنه إلى عكسه فقد فاء.
فإن فاءت عن الغي وفاءت عن الاعتداء حينئذ :
{ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } لا تميلوا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
﴿ وَأَقْسِطُوا ﴾ والقسط أيضا: هو المساواة
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ ولو تقاتلوا فلا يخرجهم تقاتلهم عن كونهم مؤمنين فهم إخوة لكم جميعا والأخوة هاهنا الأخوة الإيمانية.
﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ جعل هؤلاء إخوانكم وهؤلاء إخوانكم مع أنهم يتقاتلون فيما بينهم فلم تخرجهم هذه المقاتلة عن كونهم إخوة فهم إخوتكم يعني هؤلاء وهؤلاء وكذلك بعضهم إخوة بعض.
(أخويكم } مثنى أخ ولم يقل بين إخوانكم لأن هذه الطائفة كالجسد الواحد كأنها إنسانٌ واحد وهذه الطائفة المعادية التي تقاتلها كذلك كالإنسان الواحد فأنت كأنك تصلح بين أخوين
{ وَاتَّقُوااللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فرحمة الله عز وجل إنما تنال بالاتفاق وبالألفة وبالأخوة وبالاجتماع.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 07/12/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com