يشكل يوم العاشر ماي تاريخا فاصلا بين مرحلتين، سواء بالنسبة للسلطة أو الطبقة السياسية والإصلاحات التي أفرزتها التطورات المتلاحقة، حيث ستعطي النتائج خريطة طريق جديدة ترتّب وتصنّف مستويات القوة والضعف لدى كل الأحزاب المعتمدة، باعتبار التشريعيات أول مقاس لنجاح الإصلاحات وقوة الأحزاب الجديدة وخطابها.
وفي المشهد السياسي نقرأ تبارز تيارين رئيسيين، الأول يقوده الإسلاميون الذين يخوضون غمار التشريعيات وكلهم أمل في أن تنعكس نتائج الربيع العربي على حظوظهم بشكل إيجابي في هذه التشريعيات، على اعتبار أن الجزائر لن تكون الاستثناء العربي في حراك التغيير الحاصل في الجوار. الإسلاميون في الجزائر ليسوا على قلب رجل واحد أيضا، وهذا ما أفرز ثلاث جبهات متنافرة، الأولى يقودها تكتل الجزائر الخضراء الذي يرشح نفسه لقيادة المرحلة القادمة، والثاني يقوده تيار جبهة العدالة والتنمية رفقة جبهة التغيير، وهذا يستمد قوته من النفوذ السياسي الذي يتمتع به جاب الله في الأوساط الإسلامية من غير التيار المعتدل، وما يستقطبه عبد المجيد مناصرة من الإخوانيين السابقين الذين تربوا في حركة مجتمع السلم، لكن تبقى مقصورة تحالف الجزائر الخضراء لحمس والنهضة والإصلاح هي التي تقود قطار الإسلاميين في الجزائر. وفي المشهد السياسي بالجزائر يبرز التيار الوطني بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني الذي يخوض التشريعيات وسط تصدع داخلي واضح على قيادة العتيد، وينافس الأفلان على زعامة التيار الوطني، التجمع الوطني الديموقراطي الذي يجد نفسه أقرب إلى التيار الجمهوري العلماني منه إلى معسكر الأفلان، وزيادة على الأفلان، فإن أحزابا عديدة يمكن تصنيفها ضمن هذا التيار كالجبهة الوطنية الجزائرية لموسى تواتي، هذا الأخير الذي أثرت عليه موجة اعتماد العشرات من الأحزاب السياسية الجديدة التي ستفقده ترتيبه السابق. بينما لن تكون للتيار الوطني الأغلبية المريحة التي تجعل منه القوة الأولى في البلاد فقد يحتاج لأن يتحالف مع الحزيبيات الأخرى أو اللجوء إلى التوافق مع التيار الإسلامي الذي لن يخرج من دائرة الحكم في المرحلة القادمة، لأن ابتعاده عنها سيؤدي به للعمل في هدوء تحسبا للرئاسيات القادمة.
من جهة أخرى، فإن عمار بن يونس الذي استخلف الأرسيدي في معاداة الإسلاميين بشكل لافت، فشل هذه المرة في خلق نقاش حول خطر التيار الإسلامي رغم تركيزه على هذا الخطاب الذي كان لغة الأرندي أيضا.
أما حزب العمال، فقد أفقدته المعالجة السريعة لغالبية ملفات الجبهة الاجتماعية وهج خطابه الاشتراكي المتشدد المعارض للسلطة ونظام الحكم، بل وحتى سقوط أنظمة مبارك وبن علي وعلي صالح جرده من خطاب الهجوم على ما يسميه بالامبريالية والديكتاتوريات العربية، ولم يبق له إلا ضرب قواعد الناتو من القاعات التي لم تعرف الإقبال الشعبي الذي كانت عليه تجمعات لويزة حنون خلال السنوات الخمس الماضية.
وشكل دخول جبهة القوى الاشتراكية لمعترك التشريعيات، حالة خاصة في المشهد السياسي بعد عشرية من سياسة الكرسي الشاغر، لكن الحديث عن صفقة سياسية بين الأفافاس والسلطة مس بشكل مباشر نطاقات التأثير التي تعتبر من مناطق النفوذ التقليدي لجبهة حسين آيت أحمد، وقد استغل الأرسيدي هذه النقطة للدفع بعيدا نحو التشكيك في سلامة الموقف السياسي للأفافاس وخلفيات مشاركتها في التشريعيات.
بالنهاية، فإن تشريعيات العاشر ماي، أي اليوم، ستكون بداية حقيقية لترتيب المشهد السياسي من جهة ولاختبار نوايا السلطة والإصلاحات من جهة أخرى والأكيد أن مستقبل البلاد سيتحدد وفق نزاهتها وشفافيتها.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 09/05/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد السلام بارودي
المصدر : www.elbilad.net