الجزائر

الإخوان الجزائريون بين 'الجزائر للجميع' والتشرذم



الإخوان الجزائريون بين 'الجزائر للجميع' والتشرذم
منذ وفاة الشيخ الراحل محفوظ نحناح، فقد الإخوان المسلمون الجزائريون الكثير من رونق جماعتهم، وتهاوى ترموميتر شعبيتهم إلى أدنى المستويات، وانكسرت 'أسطورة' الالتزام التنظيمي، والوحدة المقدسة، أمام أمواج المناصب السياسية، ورياح التحفيزات'المناصبية، وأعاصير الإغراءات الاجتماعية. فالرجل هو نفس الرجل، أمام الأطماع والمطعَمات، سواء أكان إسلاميا، أو وطنيا، أو ليبراليا، إلا من أبى'أصله، وصفى معدنه، وثبتت عزيمته.
لما ولج الشيخ محفوظ نحناح الساحة السياسية، والمعترك الاجتماعي، ومعه الإخوان المسلمون، كان حريصا أن يكون على وسطية إسلامية، وحكمة سياسية، ومشاركة متئدة، وتغليب للوحدة على الفرقة، دون إقصائية أو ازدراء لأحد، وأن يكون القرار جماعيا، وكان يرى دوما أن العمل السياسي المستقبلي لا بد أن يرتكز على 'استيعاب الجديد والارتقاء بالقديم' وقد استطاع أن يكون ذاك الرجل الذي يحبه الموالي ويحترمه الخصم ويجمع حوله حتى المريب.
وسالت منذ تلك الفترة الذهبية المجيدة لجماعة الإخوان المسلمين الجزائرية مياه كثيرة من تحت تلك القناطر، وعلت رؤوس، وظهرت نفوس، وأفلت شموس، وتغيرت طقوس، واختفت الحقيقة، وتحايلت السريرة، وانقسم الإخوان المسلمون، بين حركة مجتمع السلم لأبوجرة سلطاني، وحركة التغيير لعبد المجيد مناصرة، وآخرون في حيادية، إما سلبية أو إيجابية، وتساقط آخرون على الطريق.
ولزيادة الطين بلة، وتضخيم العلة، وتشتيت الأمة، ولإلقاء مزيد من الضبابية لواقع الحال لحركة الإخوان المسلمين الجزائرية، طلع علينا الوزير 'السابق' للأشغال العمومية، والنائب المعاد انتخابه على لائحة 'الجزائر الخضراء' باسم حركة مجتمع السلم، ابن مدينة عين الدفلى، بعد عودته من العمرة، بمشروع حزب سماه على 'بركة الله' 'الجزائر للجميع'، بعد أن طفح خلاف داخل الحركة حول المشاركة من عدمها في جلسات البرلمان، والحكومة المرتقبة، فقد دعا الوزير السابق بعض الفاعلين داخل الحركة وخارجها يوم الجمعة الفائت في بيته، لعرض الأمر، ويبدو أن الوزراء الحمساويين بن بادة وميمون يؤيدون مسعاه ولم يشد إلا السيد خنافو، كما يقول بعض المطلعين أن الحاج حمو والسعيدي القياديين البارزين في حمس، يكونان قد أبديا عدم معارضة المسعى. ويمكننا أن نجمل أسبابا رئيسية لهذه الخطوة، التي ستشكل مادة دسمة للأخذ والرد على مستوى الساحة السياسية والإعلامية في الأسابيع المقبلة.
1) إذا كان الخلاف داخل أي حركة ظاهرة صحية، حول أي موضوع سياسي، يبدو أن الأمر يتمثل أساسا في اختلاق المعاذير، واختراع الأسباب لبلورة مشروع سياسي، كان لا بد أن يظهر للوجود، شاركت حركة مجتمع السلم أم لا في التحالف الرئاسي. يبدو أن خرجة سلطاني الأخيرة من التحالف الرئاسي، لم يرق لأطراف عدة، سيما الرئاسة، التي كانت حريصة أن يبقى التحالف الموالي لها، ولو ظاهرا، المكون من أقطاب السياسة الجزائرية الثلاثة:'الوطنيون والإسلاميون والديمقراطيون، لإظهار صورة انسجام السلطة الجزائرية وتمثيلها لمختلف شرائح الشعب.
2) 'الإشاعات' المترددة بكثرة هذه الأيام، الإشاعات التي أصبحت المصدر الأساسي للمعلومة في الجزائر، تقول أن عمار غول يكون الرجل المدلل الجديد للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لمنصب رئاسة الحكومة، بعد نجاحه في بلورة إحدى نجاحات عهدته، المتمثلة في إنجاز الطريق السيار شرق-غرب، زيادة على ناشطيه في الميدان، وشعبيته في أوساط الشارع الجزائري، ثم إن الرئيس يرى أن تولي إسلامي لرئاسة الحكومة، قد يطيب الأجواء مع بلدان تحيط بنا من كل جانب، سارت في قبضة الإسلاميين، إلا أن الوضع 'الديمقراطي' الجديد يفرض أن يكون رئيس الحكومة الجديد منبثقا من الحزب المنتصر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حزب جبهة التحرير الوطني، مما يعيق هذا السيناريو المرغوب.
3) رضا قطاعات كثيرة من المؤسسة العسكرية عنه، وهذا يشكل فارقا ذا أهمية في بلد ما زال ظل الجيش حاضرا بقوة في القرار السياسي الجزائري، في صورة غير رسمية، وتقول بعض الألسنة أن ضباطا كثيرين 'متقاعدين'، سيكونون في الحزب المرتقب، وتقول ألسنة أطول أن مشاريع وزارة الأشغال العمومية 'المربحة جدا'، شكلت بحد ذاتها أساسا لجلب الكثير من المناضلين، والمساندين، والمعينين.
الإخوان المسلمون الجزائريون، في رحلة البحث عن وحدتهم الأسطورية، وشعبيتهم التاريخية، لا بد أن يعيدوا قراءة الوضع من جديد بكل موضوعية، واحترافية وهدوء، وعقليتهم لا بد لها من تشكيل جديد في ظل المتغيرات والمستجدات، ونفوسهم لا بد من إعادة صقلها على الروحانية التي كانت 'السر' في بروزهم القديم. معركة الإصلاح الاجتماعي ليست منصبا من هنا ووزارة من هناك، والانتصار ليس في عدد المقاعد البرلمانية، وإنما في عدد الشباب المتعلم والأسر الصالحة والإدارات النقية والمصانع الناجحة والجامعات الرائدة والنفوس الطيبة.'
ما زال الإخوان المسلمون الجزائريون في انقساماتهم، واختلافاتهم، وادعاءاتهم الوصل بالراحل محفوظ نحناح، الأستاذ الراحل محفوظ نحناح الذي قال يوما: 'الجزائر حررها الجميع، ويبنيها الجميع'، وزاد آخرون: 'ويستغل خيراتها بعض أصحاب الريع'. وتتواصل المعارك الهامشية في الجزائر بدل معركة البناء، والإصلاح والتغيير.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)