الجزائر

الأميار الجدد في مواجهة "قنابل" موروثة



الأميار الجدد في مواجهة
تراهن الحكومة على مجالس بلدية وولائية تضع حدا لسياسة "البريكولاج" التي ظهرت لدى المجالس المنقضية عهدتها، وتجد حكومة عبد المالك سلال نفسها مدفوعة إلى عقد المصالحة مع شارع تتضاعف مطالبه بعد يوم.
يطرح الشارع الجزائري هذه الأيام، سؤالا واحدا فقط مفاده: ماذا سيفعل الأميار الجدد في البلديات والقرى والمداشر وهل سيحققون الإنشغالات التي مافتئت تتضاعف على رؤوس المسؤولين وفي مقدمتها أزمة السكن، في وقت يؤكد الوزير الأول عبد المالك سلال ان صلاحيات التوزيع ستبقى في يد رؤساء الدوائر، ما يعني أن الإحتجاجات بشأن السكن ستحتضنها الدوائر وليست البلديات وهو ما سيضع الأميار في راحة من أمرهم مجددا، بعد عهدة سابقة، لم يحرك فيها رؤساء المجالس المنتخبة ساكنا في هذا الملف.
هناك مطالب شعبية عمرت أكثر من عشرين سنة ومطالب أخرى تتكرر مع تجدد الأميار في البلديات، وهناك مطالب كنا نعتقد أنها رحلت برحيل أزمة الزيت والقهوة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، لكنها عادت مع بقاء صنف معين من مسؤولين، مطالب مواطنيهم وراء ظهورهم، حتى وإن تعلق الأمر بردم حفرة وسط الطريق أوإعادة التيار الكهربائي أو إصلاح قنوات صرف المياه، وبحكم عادة "الحقرة"، أصبح المواطن يمارس الرقابة الذاتية على نفسه، لا يلجأ إلى الإدارة لقضاء حاجته، وإنما يبحث عن مخارج أخرى، يكون فيها الشارع متنفسه الوحيد.
وأدت "الحقرة" إلى كبت اجتماعي مر، فمقهورون تجرعوا مواد سامة وآخرون عانقوا المشانق وشبانا قطعوا الوريد بشفرات الحلاقة وارتموا على الأسلاك الكهربائية، بفعل الإحباط والفضاء المسدود، بينما "المحظوظون الذين يرفضون الانتحار الذي تضاعفت أرقامه بالجزائر بشكل مريب، فجعلوا "التمرد" فعلا بديلا عن الموت، في وقت أظهرت تجربة "الاحتجاجات" في مختلف الولايات، أن غضب المواطنين ولجوءهم إلى قطع الطرقات وحرق العجلات المطاطية، هوأخر فعل في "مسيرة" الجري وراء المسؤولين.
وعندما يتم إحصاء أزيد من 11 ألف احتجاج في الشارع في ظرف سنة واحدة فقط، وهي الاحتجاجات التي سجلتها مصالح الأمن، فهو دليل على أن السلطة لا تريد الذهاب إلى معالجة جوهر المشكلة التي تجعل المواطنين يخرجون إلى الشارع، وتكتفي كالعادة بالمعالجة السطحية، من خلال تسخير القوة العمومية لإخماد الغضب ومنع تنظيم المسيرات ضد المسؤولين المحليين، وهو ما يعني اختيار تمديد عمر التعفن وليس علاجه من جذوره. وهو نفس سلوك السلطة في التعاطي مع أسباب عزوف الجزائريين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بتضخيم الكتلة الناخبة والاستعانة بأصوات الأسلاك النظامية في رفع نسبة المشاركة المتدنية من اقتراع لآخر، ما جعل شرعية المنتخبين ''ناقصة ومهزوزة'' وليس بوسعها مواجهة قضايا المواطنين.
يحدث هذا في ظل تحييد المسؤولين، مكاتب الاستقبال والتوجيه، من هياكل البلديات أو الولايات، ولسكان البلديات النائية، ما يقولون، وثمة قلة قليلة من البلديات التي انتبه مسؤوليها لوضع سجلات، في متناول المواطنين في أروقة الحالة المدنية، لتسجيل ملاحظاتهم، لكن الإجراء بقدر ما يعتبر حضاريا، سبقت إليه مصالح الأمن في محافظاتها، بقدر ما حوله بعض الأميار إلى طريقة، رأوا أنها المثلى لتفادي "تكسار الراس" وتحاشي استقبال المشتكين في مكاتبهم، حتى أن تلك السجلات، ترمى في كثير من الأحيان مع فضلات شهادات الميلاد والإقامة والشهادات العائلية وغيرها.
ويعترف مسؤولون حكوميون، أن 95 بالمائة من القضايا التي تخرج المواطنين إلى الشارع، أسبابها وحلولها محلية وليست وطنية، أي على عاتق البلديات والدوائر والولايات، ويكون ذلك وراء تأكيد أحمد أويحيى في بومرداس بأن ''أمن الجزائر من أمن القرى والبلديات، ولتعزيز أمن هذه الأخيرة يجب تحقيق التنمية فيها''. لكن هل بمقدور التركيبة البشرية الجديدة من المنتخبين الذين جاءت بهم محليات 29 نوفمبر الفارط، تحقيق ''الهنا'' الاجتماعي في البلديات؟ .
لكن المواطن لم يعد يثق في الأحزاب بدليل أن.الحملة الإنتخابية، عرفت تراجعا مفضوحا، في قوة الخطاب السياسي ، بل ان أن طبيعة ما قدم أمام المواطنين من قوالب "جاهزة" ، نفرت المواطنين من تجمعات قادة أحزاب وما دونهم، وارتبط جزء منهم، بمترشحين في البلديات، وفقا لما تمليه "القرابة والجيرة والصحبة"، خارج رهانات الألوان السياسية، لذلك لم تتحرج حركة النهضة من التحالف مع الأرندي في بلديتين ببسكرة، ما يعني أن الطيف السياسي، لا يكون فاعلا أساسيا، لما يتعلق الأمر بانتخابات بلدية، تفتقد حملتها الانتخابية لقوة خطاب سياسي بمضمون اجتماعي محلي، يفرز بين مواقف وطروحات الأفلان والارندي وحمس والنهضة، وغيرها من الأحزاب.
قد تكون لغة الأرقام، أنتجت لغة "الاستسلام"، وأعاقت نزعة الفوز، بالنسبة للأحزاب، خارج أحزاب المراتب الأولى بالتقليد، في ظل تلافي المقارنة بين 1520 قائمة قدمها الملوح بالفوز، عبد العزيز بلخادم، و1477 قائمة قدمها أحمد اويحي وبين 314 قائمة لتكتل الجزائر الخضراء، نزولا إلى تشكيلات أخرى، ظهر أن ما قدمته من قوائم لا يرقى إلى تبني "ثقافة الفوز" المتروكة لاستحقاقات قادمة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)