الجزائر

الأمازيغية.. ما ضاع حق وراءه مطالب



الأمازيغية.. ما ضاع حق وراءه مطالب
لن أناقش كل تفاصيل مشروع الدستور ففيه ما يعاب عليه، لكن لابد من مباركة ما جاء بخصوص تصنيف الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، فهذا الأمر حتى وإن مر على برلمان فاقد للشرعية مهم جدا ولن ينتقص من قيمة الإنجاز، الذي شئنا أم أبينا سيحسب لصالح بوتفليقة الذي اعترف بشرعية النضال الأمازيغي طوال عقود، وكان هذا أهم اعتراف لمطالب رجال ونساء ضحوا بالكثير في محطات الربيع الأمازيغي وما أكثرها، تماما مثلما يحسب له التأسيس للدولة المدنية التي كانت ومنذ الانقلاب على قرارات مؤتمر الصومام وتغليب العسكري على السياسي، مطلبا يرفعه كل أحرار الجزائر، ولن ينقص من قيمته الترويج له من قبل الأمين العام للأفالان الذي أجزم أنه لا يفهم المعنى العميق للدولة المدنية واتخذ من الأمر سوطا فقط يجلد به بعض المسؤولين ولا داعي لذكر الأسماء.أعود لهذا الاعتراف بالإنجاز الذي لا شك أنه سيزعج الكثيرين، ومن بينهم من سيرفع يده في البرلمان مصادقة على هذه المادة لأنه لا يمتلك الشجاعة لقول ”لا”. لكن ليضع الكل رجله في الماء ولا داعي للوقيعة بين العربية والأمازيغية، فلهما صلة قرابة ونسب من قرون، وكلاهما تعرضت للاضطهاد أثناء فترة المستعمر وحوربت في عقر دارها. ثم لننظر لتجارب البلدان الأخرى، أليس بأمريكا لغتان وطنيتان، الإنجليزية والإسبانية؟ وفي سويسرا هناك ثلاث لغات تعيش ولا أقول تعايشا في سلام وتناغم، أليست سويسرا رمزا للسلم والسلام؟الكرة في مرمى حماة الأمازيغية الآن، وعليهم العمل على الدفع بها لتحتل المكانة التي تليق بها، لعل بعدنا الأمازيغي المضطهد يجد مكانه ويتحرر أبناؤنا وأحفادنا من السكيزوفرينية التي نعاني منها نحن. هل يعقل أن تبقى لغة مضطهدة في أرضها رغم الثمن الذي دفعه أبناؤها من أجل الاستقلال واسترجاع الهوية كل هذه العقود؟ أحببنا أم كرهنا - قلت - فإن بوتفليقة نجح في قلع شوكة الخلاف حول هذه المسألة، وسحب البساط من تحت أقدام دعاة الانفصال ومن استعمال هذا المطلب الشرعي ورقة سياسوية.الكرة الآن في مرمانا كوطنيين، وفي مرمى الأمهات من هذا الجيل الذي لم يعش إرهاصات النضال، هؤلاء الذين أسمعهم في الشارع وفي الأماكن، لا يتحدثون مع أطفالهم غير الفرنسية. أخاف أن يأتي علينا يوم ونصير في حاجة إلى التجنيد للدفاع عن الأمازيغية والعربية على السواء، فلعبة الهوية ما زالت لم تكسب بعد، وما زال طريق النضال طويلا وشائكا... ********في وداع آيت أحمد - 4 - عرج السائق على شارع ديدوش مراد وسط العاصمة واستدار قبالة البريد المركزي، قبل أن يتجه عبر تافورة باتجاه الشرق، عبر الطريق السيار الذي كان يسمى ”طريق الموتونيار أو الغنم”، حيث كانت تصدّر ثروات أرضنا عبر ميناء العاصمة باتجاه الموانئ الفرنسية، بينما يبقى الجزائريون عرضة إلى المجاعات والموت. يلقي الرئيس بنظرة جهة الجامعة المركزية، ثم يشير بإصبعه إلى مقهى اللوتس الشهير، وهو يقول: ”هنا كانت تجلس نخبة الجزائر وصفوتها، وهنا كانت تنسج الأحلام، وترتب الأشعار. هنا كان مركز الثورات!”. ويتنهد بعمق، وكأنه يدرك ما لحق بالثوار، وكيف أكلت الثورات أبناءها وكيف حاد بعضهم عن الطريق!؟لم يعلق السائق على كلام الرجل، وهو يرسم في ذهنه أي طريق سيسلكه وسط كل هذا الزحام، وكأن سكان العاصمة خرجوا كلهم في ساعة واحدة متجهين في هذا اليوم الأول من السنة باتجاه عين الحمام، لحضور الجنازة الشعبية التي اختار الراحل تفاصيلها بدقة!أسئلة كثيرة تحرق شفتي السائق، يحجم أحيانا عن طرحها على الرجل، خوفا أن يفسد عليه هذه الرحلة القصيرة التي أعادته إلى الحياة. أسئلة كانت حتى وقت قريب محرمة، ومجرد التفكير فيها قد يؤدي بصاحبه إلى السجن. لكن ما يخيفه أكثر أن يتهرب العائد من الجواب، لأنهم هكذا هم سجنوا مصير البلاد مثلما سجنوا أنفسهم في صمت مريب. لم ينتظر كثيرا، حتى باغته الرئيس بوابل من الأسئلة:”قل لي ما قصة الرجل الأسطورة الذي تتحدث عنه الصحف؟ من يكون هذا، ومن هو هذا السعداني، الذي يجلس على كرسي محمد صالح يحياوي؟ ومن هو شكيب الذي يتحدثون عنه في محاكمة تقول الصحافة إنها محاكمة سوناطراك؟”.أولا! يرد السائق، كرسي الأمين العام لجبهة التحرير ليس كرسي يحياوي، تداول عليه كثيرون بعده، ويحياوي عاد إلى بيته بمجرد أن خاب ظنه في خلافتك على رأس البلاد. سعداني هو فنان ترأس المجلس الوطني الشعبي لفترة، وهو يقود اليوم حربا على المخابرات بتكليف من مجهول، بدعوى التأسيس للدولة المدنية. أمره غريب، لا تحبه الصحافة، وأنا شخصيا أتوخى الحذر للحكم على الأشخاص لما تستهدفهم حملات من قبل بعض الصحف، فالأمر عادة لا يكون بريئا! لكن يبقى أمره مريبا، فمن أين لشخص كان يعمل في محطة لتوزيع البنزين أن يصبح رقما سياسيا صعبا، ويسمي نفسه رجل دولة، يحيط نفسه بهالة من البروتوكولات، بعض الصحف الفرنسية تتهمه بتهريب الملايير إلى الخارج، وأنه يمتلك شققا وإقامات بباريس، لكن يبقى كلام صحف!يضحك الرئيس، ليس على ما آلت إليه جبهة التحرير، وليس لأن الرجل ”فنان” فالفن ليس عيبا، ويلاحظ دائما بنفس النبرة الساخرة، من يدري قد يصبح رئيسا للبلاد، ألم يكن تشاوشيسكو الذي حكم رومانيا عقودا، مصلح أحذية، أندري لماذا لما يتكلم يضم شفتيه؟ ويضيف مقهقها: ”لأنه يعتقد دائما أنه يضع المسامير بين أسنانه ليبللها بلعابه قبل غرزها في أسفل الحذاء للتصليح!”.هذا الزمن ليس زمن تشاوشيسكو سيدي الرئيس، يعلق السائق فرحا لروح الرئيس المرحة في هذا اليوم الأول من السنة، لعله بشارة خير قال في نفسه!”أعرف أنه ليس زمن تشاوشيسكو، ولا زمن لاش فليشا، ولا زمن تيتو ولا عبد الناصر! أعرف النهاية المأساوية التي أسقط بها تشاوشيسكو والمؤامرة التي انتهت به وزوجته رميا بالرصاص فاتحة الطريق أمام انهيار النظام الشيوعي في شتاء 1989”. نعم يا بني، أعرف أنه لم يعد زمن العظماء، لا الشعوب شعوب مؤمنة بمصيرها ومستقبلها وفاء لنضال أسلافها، ولا الأنظمة وجدت لخدمة الشعوب، بقدر ما صارت عميلة في يد الإمبريالية العالمية، وفي خدمة النظام العالمي الجديد الذي تريده أمريكا وحدها!”نعم سرقوا منا الفكرة، فكرة النظام العالمي الجديد الذي يكون للشعوب الخارجة من نير الاستعمار مكان فيه، ومساهمة في بنائه. سرقوا الفكرة وانقلبوا على القادة، قتلوا البعض وقادوا انقلابات على البعض الآخر، ودعموا الخونة للوصول إلى الحكم”.”لنا ما يكفي من الوقت”، يعلق السائق، محاولا تحويل الكلام لقضية الساعة، قضية الثورة، والثوار ويجرؤ لأول مرة على طرح السؤال المحرج على الرئيس: ”قل لي سيدي الرئيس، ها نحن في طريقنا إلى القبائل، هذه المنطقة التي نسبت إليها الكثير من المساوئ، واتهم أبناؤها بشتى أنواع التهم، مع أنها دفعت ثلة من خيرتهم على مذبح الحرية، لن أسألك عن مهندس مؤتمر الصومام عبان رمضان وكيف تمت تصفيته وخسرت فيه البلاد قائدا وحكيما، لنترك الموضوع جانبا، وما دمنا اليوم في جنازة آيت أحمد، واليوم يومه بدون منازع، ليتك تحدثني عن انتفاضة 1963، لأن هذه القضية محاطة بكثير من الكتمان. هل حقا حمل الدا الحسين السلاح في وجه الجزائر، التي خرجت للتو من حرب تحرير استنزفت قوى البلاد والمجتمع؟”.ويرد الرئيس بغضب غير مسبوق: ”قلت لك ليس أنا من اختلف مع آيت أحمد، سنة 1963 لم أكن رئيسا، بل بن بلة هو من اختلف معه!”.”نعم سيدي الرئيس، ما يعرفه جميع المهتمين بأمور الحكم في البلاد، هو أنك كنت الرئيس الفعلي، بل كنت تحكم البلاد من وراء الستار، كنت ذراع القمع في يد بن بلة، ألم تكن وزير الدفاع؟ آيت أحمد يقول إنه لم يرفع أبدا السلاح في وجه الجزائريين، قاد معارضة سلمية لكن الجيش هو من أقحم جبهة القوى الاشتراكية في أتون العنف”!توقف! يأمر السائق، فيتوقف هذا الأخير على جانب الطريق المزدحم بالسيارات المتجهة إلى الجنازة، يدخن سيجارة، لأول مرة، وينتظر حتى يهدأ غضبه قبل مواصلة الطريق.- يتبع -




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)