نوفمبر رمز البطولة والتضحية، فيه انطلقت ثورة مظفرة قادها شعب أعزل أراد التحرر، ثورة فجرها بركان صمت طال ولم يدم شارك فيها الرجال والنساء على حد سواء، ثورة لعظمتها وشموخها دوّنها التاريخ بأحرف من ذهب وخلدها الكتاب والشعراء وعلى رأسهم شاعر الثورة مفدي زكريا وصدحت بها حناجر الفنانين منهم: الفنان المرحوم “علي معاشي” المولود في 12 أوت 1927 في حي راس سوق في قلب مدينة تيارت، وتحديدا في حوش المعاشات، صاحب رائعة «مازال عليك أنخمم”، “الجزائر”، لحن أخّاذ يصف جمال الجزائر وكلمات معبرة يقول مطلعها: يا ناس أما هو حبي الأكبر... يا ناس أما هو عزي الأكبر لوتسألوني نفرح ونبشر... ونقول بلادي الجزائر.
تغنى علي معاشي بالجزائر الغالية في زمن الاستعمار الفرنسي الذي أراد طمس الشخصية الجزائرية، فكانت أغانيه بمثابة شوكة في حلق المستعمر، فبات الشهيد الفنان “علي معاشي” أحد رموز الجزائر الكبار الذين استشهدوا على يد الاستعمار الفرنسي الغاشم من أجل أن يحيا الوطن، فالرجل الذي ينحدر من منطقة تيارت نال الشهادة في سن 31 سنة.
مسيرة علي معاشي حافلة بالعطاء الفني الذي كان كله في خدمة الجزائر في وقت كانت تتجرع فيه مرارة الاستعمار الفرنسي الغاشم وبحاجة للكلمة كرسالة بقدر احتياجها للبندقية ولم تجد سفيرا معبّرا أفضل من الفنان الشهيد. صليحة الصغيرة هي الأخرى من المطربات اللواتي حملن على عاتقهن مسؤولية النهوض بالأغنية الجزائرية بداية من الستينات هي من جيل أواخر الخمسينات إلى جانب المطربات، نورة، سلوى ونادية مع من سبقهن من مطربات أمثال فضيلة الجزائرية ولطيفة ومريم عابد وثرية وغيرهن اسم صليحة الصغيرة الحقيقي: هند زكريا من مواليد 1943 بمدينة الكاف التونسية والقريبة من الحدود الجزائرية ومنطقة وادي سوف الجزائرية، أحبت الغناء والتمثيل منذ صغرها درست الابتدائي في إحدى مدارس المكفوفين لكونها كانت ضريرة لكن قلبها كان مبصرا عاشقا للجزائر انتبه إليها الفنان الموسيقار صلاح المهدي ودفعها مشجعا للتسجيل في معهد الموسيقى، عرفها الجمهور الجزائري إبان الاستقلال باسم صليحة الصغيرة، العملاقة بصوتها القوي الذي تخطى أبعد الحدود بأغنية خالدة ألا وهي: يا ثورة الأحرار من كلمات: حافظ البحيري وتلحين الأستاذ: تيسير عقلة، هي قصيدة تبارك الثورة وتشيد بإنجازاتها يقشعر بدنك كلما سمعتها ونحن دائما إلى سماعها وهذه أبياتها:
- يا ثورة الأحرار سيري في ركاب ظافرة وابني البلاد وشيدي ترعاك عين ساهرة
-بوركت يا رمز الإرادة والعزيمة والحياة فامضي نارا في العلا حرست حمتك يد الإله
-سيرت ذاتي زراعتنا فأضحت مثمرة ومضيت في ركب الخلود للاستقلال محررة
-وازددت في الخدمات بين جنوبنا وشمالنا وغمرت بالخيرات كل جبالنا وسهولنا
-وجعلت من بور الحقول حدائقا ومزارعا وبنيت من اجل الجميع معاهدا ومصانعا
-ناديت بالتعريب بالإصلاح بالعربية حققت آمال الشباب بخدمة الوطنية
ولطالما أسهمت في ركب النضال اليعربي
-ومددت للشرق الأبي يد الوفاء الطيب ومددت كفك بالإخاء لشعوب المغرب.
المطربة صليحة الصغيرة هي الوحيدة التي تعودت في كثير من المناسبات على الغناء باللغة الفصحى، فغنّت للجزائر بصوت دوى الوجود كما دوّته قصائد مفدي زكريا شاعر الثورة صاحب الإلياذة التي تغنت بها أميرة الطرب الراحلة وردة الجزائرية ومن أجمل ما قيل في نوفمبر وأنشد:
هذا نوفمبر قم وحيي المدفعا واذكر جهادك والسنين الأربعا
واقرأ كتابك للأنام مفصلا تقرأ به الدنيا الحديث الأروعا.
كما ساهمت الأغنية القبائلية بدورها في شحذ الهمم وتعبئة النفوس بالحماسة، لرفع وتقوية إرادة الشعب والقضاء على اليأس والاستكانة والذل والمعاناة ويعتبر الفنان المجاهد “فريد علي” من الفنانين الذين جاهدوا بالأغنية أيضا من أبرز أغانيه، أغنية: “أيما أصبر أور تسرو” بمعنى أمي اصبري ولا تبكي.
وكان الفنان قد التحق بالفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بتونس سنة 1958م، وعلى إثر ذلك تم تسجيل هذا النشيد هناك، وصار يذاع في جميع قنوات الإعلام السمعي الخاصة بالثورة الجزائرية، فضلا عن رواجه منقطع النظير في الأوساط الشعبية. ولعل أهم شهادة حيّة تؤكد سمو مكانة هذا النشيد الوطني كما جاء على لسان السيد الأمين بشيشي، فرغم أن هذا الأخير لم يدرجه في كتابه القيم حول الأناشيد الوطنية إلا أن ذلك لم يمنعه من إبداء شهادته التي أظهر من خلالها إعجابه بالفنان الموهوب المجاهد فريد علي، الذي قال في حقه: رحم الله البلبل الصداح، الفنان الموهوب فريد علي، الذي لم يسبق أن سمعت (أشويق) بمثل أدائه وأعتقد أن حباله الصوتية متميزة وممتازة، والصوت الرخيم هبة الرحمن الرحيم، لكن في كنف ذلك الصوت الرنان إيمان بما يشدو به من أعذب الألحان لقد افتقدته الجزائر، إذ كان مناضلا في فرقة جبهة التحرير الوطني، التي جابت العديد من أقطار العالم لتوصل صوت ومعاناة الجزائر وصمود شعبها الباسل المغوار.. والأم دائما حاضرة مقترنة بالوطن وأجمل ما أدى أيضا وأنشد:
ياأمي لاش تبكي على ولدك مجاهد على الحرية
شبان بلادي قوموا جميعا حياة الذل راهي شنيعة
وفي الأغنية رسالة ونداء صريح للجهاد لتحرير البلاد وكسر القيود.
الثورة الجزائرية، وقف منها المواطن العربي أيضا موقف المؤيد المتحمس لأحداثها لأن القضية كانت قضية شعب أبى إلا أن يتحرر من قيود الذل والاستبداد دافعا قربانا لحريته أزيد من مليون ونصف مليون شهيد فتغنت بثورته حناجر كثيرة من الخارج ومن الوطن العربي أمثال المرحوم عبد الحليم حافظ في أغنية: ياحمام “أرض البطولة أرض العروبة أرض الجزائر”، محمد قنديل، كريم محمود وغيرهم.
كانت هذه وقفة مختصرة لطريق طويل شاق قطعته الجزائر هذه الأرض الطيبة التي استحقت أروع التبجيل من حناجر عمالقة الفن الجزائري والعربي ومن وجدان شاعر الثورة القائل في حق بلده، بلد المليون ونصف المليون شهيدا:
قل الجزائر وأصغ إن ذكر اسمها تجد الجبابرة ساجدين وركعا إنّ الجزائر في الوجود رسالة الشعب حرّرها وربك وقعا....
إنّ الجزائر قطعت قدسية في الكون لحنها الرصاص ووقعا..
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/11/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : نادية شنيوني
المصدر : www.el-massa.com