الجزائر

*الأطفال شعروا بالخوف قبل الواقعة لكنهم أصرّوا على المشاركة في الاحتفالات *



*الحادثة الأليمة خلفت مقتل 4 أطفال كشافة و 17 جريحا*ابني بوعلام مهدي كان ضمن القتلى
تاريخ 01 نوفمبر 1954 سيظل خالدا ، راسخا ومدون في السجل الذهبي العالمي إلى جانب الثورات العالمية ، كما ستتداوله الأجيال الجزائرية المتعاقبة نظرا للتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري طيلة سبعة سنوات من الكفاح لإخراج المدمر الفرنسي الذي استباح تراب و دم و عرض الجزائريين لمدة 132 سنة . هذه الذكرى الغالية على كل جزائري ارتبطت بحادثة مؤلمة وقعت بمقبرة سيدي علي يوم الفاتح نوفمبر1994 ، حيث راح ضحيتها أربعة براعم كشفية لا يتجاوز سن أكبرهم 12 سنة جراء تفجير قنبلة في الوقت الذي كان الكل يتأهب لدفن رفات ثمانية شهداء الثورة الحريرية من بينهم الشهيد عبد المالك رمضان . و حلت اليوم الذكرى 64 لاندلاع الثورة الحريرية فانتقلت جريدة الجمهورية إلى بيت الكشفي محمد بوعلام المدعو *الرايس بوعلام* وهو أحد الناجين من هذه الحادثة و أجرت معه هذا الحوار.
*بداية حدثنا عن ليلة الفاتح نوفمبر 1994

تحضيرا للاحتفال بالذكرى 40 لاندلاع الثورة التحريرية [ 1954/1994 ] ، نظمنا ليلة 31 أكتوبر إلى 01 نوفمبر 1994 بمقر الكشافة الإسلامية الكائن بحي العربي بن مهيدي حفلا متواضعا ، حيث أحضر الكشافة الحلويات والمشروبات لقضاء الليلة بالمقر وكذا التأهب للمسيرة الكشفية المعروفة ب *مسيرة المشعل * والتي كانت مبرمجة من المقر الكشفي إلى غاية ساحة البلدية ، شارك فيها ما يفوق 80 كشفي ، في الساعة صفر رُفع العلم الوطني بحضور السلطات المحلية ، الأسلاك الأمنية يتقدمهم الجيش الوطني الشعبي ، الأسرة الثورية و قليل من المواطنين لأن الوضع كان صعبا جدا ، ثم عدنا إلى المقر لنحتفل ونبيت قبل مواصلة البرنامج صبيحة يوم 01 نوفمبر 1994.
*و ماذا حدث في هذه الصبيحة ؟
صبيحة هذا اليوم ، لم يكن انتقالنا إلى سيدي علي رسميا ، لكن بما أن الحافلات التي كان من المفروض أن تنقل المواطنين إلى سيدي علي لم تملئ بروتوكول الوالي وكذا مدير النقل طلب مني مرافقتهم إلى سيدي علي ، بعد استشارة الإطارات الكشفية وافقنا القيام بهذه الرحلة . كان ضمن هذه الرحلة أبنائي الخمسة المهدي رحمه الله ، لخضر ، عبدالقادر ، محمد و سمية بمنطقة الفنار ببلدية عبد المالك رمضان توقفت الحافلة دون سابق إنذار وبدء القلق يعمنا خوفا من أن نتأخر عن الحدث وحضور دفن رفات الشهداء الذين كان من بينهم الشهيد بن عبد المالك رمضان . قائد الحافلة راح يبحث عن العطب في كل زاوية دون أن يجده لكن في محاولة يائسة وأخيرة منه تحرك المحرك و واصلنا الرحلة إلى غاية بلدية سيدي علي . للتذكير حافلتنا كانت آخر حافلة في الموكب تدخل بلدية سيدي علي .
*وصلتم إلى بلدية سيدي علي فماذا حدث بعدها؟

حافلتنا توقفت بجوار مقر دائرة سيدي علي ، و ما لاحظته أن ابني المرحوم مهدي كان خائفا وكأنه كان يشعر بشيء مرعب وشيك الحدوث ، نفس الإحساس شعرت به لذا طلبت من الكشافة الصغار البقاء في الحافلة و نزول إلا الأشبال لمرافقتنا إلى المقبرة لكنهم رفضوا وأصروا على مرافقتنا ، كانت حينها المقبرة مملوءة عن آخرها . الدركي الذي كُلف بحراسة باب المقبرة سمح لي بإدخال إلا الكبار لكن الأطفال أصروا ففتح الباب أمامهم شريطة أن يصطفوا في جهة واحدة . بعد اصطفاف الكشافة داخل المقبرة ذهبت لمصافحة رفقاء الدرب نواري محمد ...عندها لحق بي ابني المرحوم مهدي الذي كان سنه لا يتجاوز التسعة سنوات فأرجعته إلى مكانه وفي اللحظة التي رجعت فيها لأكمل حديثي سمعت دويا قويا اعتقدت أن المجاهدين الحاضرين أو عناصر الجيش الوطني الشعبي هم الذين أطلقوه ، عندها ارتفع الغبار إلى السماء وبدأ الكل يصرخ *الرايس ، الرايس* ، حدث هلع كبير وسط من كان حاضرا في هذه المقبرة فاختلطت الأمور علينا كلنا .
*كيف تصرفت وأنت وسط هذا الحدث المؤلم ؟
لم أتمكن من رؤية الأطفال نتيجة الغبار المتطاير في السماء والصراخ الذي عم المكان ، فبدأت أنادي بالأسماء إلى أن سمعت ابني محمد المصاب يناديني ، تلاه صوت المرحوم شوارفية عبد الله الذي ضممته بين يدي عندها قال لي *رايس لا أشعر برجلي ، لا تتركني أموت* ، نقلته إلى حافلة الإسعاف ثم عدت لأنقل طفلة أخرى ، بعد فترة قليلة جاءت المروحية ونقلت المصابين إلى مستشفى وهران وعين النعجة بالجزائر العاصمة . تدخل الإعلام فانتشر الخبر ما زاد من فزع الحدث على المستوى الوطني وحتى الدولي . كان عدد ضحايا هذا اليوم أربعة أطفال إضافة إلى 17 جريحا . الشهداء الأربعة دُفنوا بثيابهم الكشفية بمقبرة سيدي بن حوة بمستغانم بحضور سبعة أو ثمانية وزراء ، كما تنقلت الأسر الكشفية من كل الجزائر لتقديم تعازيهم للعائلات .
*كيف تصرفت مؤسسات الدولة مع هذا الحدث ؟
آنذاك قدم لنا رئيس الجمهورية زروال تعازيه ، كما وقف إلى جانبنا كل من وزير المجاهدين ، الصحة ، الشبيبة والرياضة . و بالمناسبة أشكر الدولة الجزائرية التي وقفت إلى جانبنا و إلى جانب كل المصابين في هذه الحادثة المؤلمة التي ألمت بالشعب الجزائري ليس فقط الأسر ، ما نتمناه أن نعتبر حتى لا تتكرر .
*في الأخير ماذا تقول للشباب ؟
ككشافة ، لا نزال في الميدان ولا نزال نحتفل بذكرى اندلاع الثورة التحريرية ، لأن الكشافة مدرسة الوطنية تسمح للكشاف بالاعتماد على نفسه و حب وطنه و احترام الغير ، مساعدة الضعيف و الانضباط ، هكذا نريد أن يكون أبناؤنا . أتمنى الخير للبلاد والعباد ، تحيا الجزائر والله يرحم الشهداء .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)