مسجد قرطبة الجامع
احتفظ جامع قرطبة حتى طليعة القرن الثامن عشر بأسقفه الأفقية، التي تتكون من لوحات خشبية مسطحة مثبتة على عوارض تمتد عرضًا بأعلى البلاطات، ثم تعلوها بإمتداد البلاطات اسطح منشورية الشكل مكسوة بالقراميد، ولقد ازيلت هذه الأسقف الخشبية فيما بين عامي 1713 و 1723 م لتآكلها، واقيم مكانها قبوات متعارضة خفيفة، ويرجع سبب تعرضها للتآكل إلى تسرب كمية من مياه الأمطار إلى السقف المسطح واهمال تدارك ذلك في الوقت المناسب، ولحسن الحظ اعيد استخدام اللوحات المتآكلة في الهياكل الخشبية الداخلية للأسطح وقد تم اكتشاف عدد كبير من اللوحات المنتزعة سنة 1875م اثناء العمل في اصلاح سقف مصلى سان لرنثو الداخلين في زيادة الحكم الثاني، وشجعت هذه الكشوف الباحثين على مواصلة البحث والكشف عن مزيد منها، وتمكن المهندس فلاسكث بوسكو من اعادة تركيب الأسقف الخشبية في البلاط الأوسط كله وفي قطاع يمتد على طول البلاطات السبع من زيادة الحكم المستنصر، أما بقية الأسقف الخشبية المتآكلة فقد عرضت على الجمهور فى المجنبتين الشرقية والغربية من الصحن، وفي متحف الجامع.
ويعتقد المهندس الأثري دون فيلت هرناندث ان هذه الأسقف اقيمت في القرن الرابع الهجري، وأنها هي نفس الأسقف التي وصفها الشريف الإدريسي في القرن الخامس الهجري.
ويصف الإدريسي هذه الأسقف بقوله “وسقفه كله سموات خشب مسمرة في جوائز سقفه، وجميع خشب هذا المسجد من عيدان الصنوبر الطرطوشي ارتفاع حد الجائزة شبر وافر في عرض شبر إلا ثلاث أصابع في طول كل جائزة منها سبع وثلاثون شبرًا، والسموات التي ذكرناها هي كلها ضروب الصنائع المنشأة من الضروب المسدسة وهي صنع الفص الدائري وقد احكم ترتيبها وأبدع تلوينها بأنواع الحمرة والبياض والزرقة اللازوردية والخضرة الزنجارية، تستميل النفوس بإتقان ترسيمها واختلاف ألوانها”
وهذه الأسقف هي نفسها التي شاهدها امبروسيو دي موراليس في القرن السادس عشر وجومث برافو في القرن الثامن عشر، قبل أن تبدل الأسقف الحالية بالأسقف القديمة، وقد اثبت هرناندث صحة الأرقام التي أوردها الادريسي ودقتها البالغة فيما يتعلق بمقايسها، واستنتج من ذلك بأن اللوحات المسطحة والجوائز كانت تستقر أفقيا في وضع عرضي بالنسبة لمحاور البلاطات التسع عشرة، كما أن زخارف الجوائز تتشابه مع زخارف اللوحات، ولكن الزخارف تختلف في تكويناتها في جميع اللوحات، ومن المعتقد أن أسقف جامع قرطبة ظلت حتى عصر عبد الرحمن الناصر لدين الله مقامة على الطريقة السورية أي منشورية أو هرمية مفرغة، ثم تغير ذلك كله زمن الناصر عندما تعرض بيت الصلاة للتلف، فاستلزم الأمر إجراء إصلاحات فيه فإن اسلوب الزخرفة النباتية في كثير من الأسقف الخشبية المسطحة يشبه بعض التكوينات الزخرفية في بعض الدعائم وقواعد الأعمدة في مدينة الزهراء، بل ان بعض زخارف اللوحات المكتشفة تشبه بعض التكوينات الزخرفية في احدى العلب العاجية التي يرجع تاريخ صناعتها إلى عهده، كما ان بعض اللوحات الخشبية يحمل أسماء ابن فتح وحاتم ورشيق، واغلب الظن أن رشيق هذا هو نفس الفنان الذي سجل اسمه في احدى زخارف قصر عبد الرحمن الناصر في الزهراء، كما نشاهد اسمه مدوناً على قطعة من الخزف في حفريات هذه المدينة، كما ان الحكم الثاني المستنصر والمنصور محمد بن أبي عامر تابعا نفس الطريقة في تسقيف الجامع، ولكنهما استكثرا من الزخارف الهندسية التي تغلب عليها الطابع العراقي، الأمر الذي أدى إلى احتمال تعرض هذه اللوحات للتأثيرات العباسية.
قصر الزهراء
كذلك كانت أسقف قاعات قصر الخلافة بمدينة الزهراء من أعواد الصنوبر، فقد احتفظت بعض المواضع بجدران أكثر ارتفاعاً تبدو فيها الحواف التي كانت تثبت فيها الجوائز الخشبية بوضوح، وكانت الأسطح المنشورية الشكل مغطاة بالقراميد المقعرة التي يميل لونها إلى الصفرة وكانت مياه الأمطار تتجمع بين الأسقف المائلة في قنوات تصب في ميازيب عثر على واحد منها، والأسقف على هذا النحو لا تختلف كثيرًا عن أسقف جامع قرطبة التي تبدو من أعلى.
عصر ملوك الطوائف
ومن عصر الطوائف تبقت لنا آثار كوابيل طويلة لجوائز سقف من غرناطة زاخرة بزخارف من التوريقات، وفي أطرافها ورقتان مدببتان بينهما برعم مزين في قمته ويلتف حول نفسه، وتشبه هذه الكوابيل تمامًا كوابيل جامع تلمسان الذي أقيم في عصر المرابطين، كما أنها تشبه أيضًا كوابيل أخرى كانت تزين قاعة قصبة مالقة وحفرت عليها توريقات ذات براعم نباتية ولفائف من التوريق على أرضية بها وريدات تمهد هي ونظائرها في غرناطة لبعض كوابيل خشبية متأخرة في الكنيس اليهودي سانتا ماريا لابلانكا بطليطلة.
غرناطة وقصر الحمراء
وأروع ما تخلف من الأسقف الخشبية الأندلسية اسقف قاعات قصور الحمراء وجنة العريف ودور غرناطة وأبنيتها العامة، كسقف مدرسة غرناطة، ومعظم هذه الأسقف على شكل هرم ناقص تزدان بالزخارف الهندسية الرائعة الملونة، تمثل أشكالاً نجمية بعضها محفور في الخشب تتشعب منها الخطوط وتتقاطع، فتتكرر النجوم في شكل يجعل من هذه الأسقف متاحف غنية بالزخارف التي تروق العين ببديع تكوينها وروعة تخطيطها ويحيط بهذه الأسقف من أدناها أزر خشبية عليها توريقات دقيقة ملونة، وأروع ما يتعلق بالأسقف الخشبية الغرناطية تتمثل في الظلل أو البرطلات التي تعلو الأبواب، وتتكئ على كوابيل خشبية تندمح في الجدران، وكانت هذه الظلل تكسى عادة بتوريقات وكتابات نسخية وكوفية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/09/2017
مضاف من طرف : nemours13
صاحب المقال : د. السيد عبد العزيز سالم، العمارة الإسلامية في الأندلس وتطوّرها مجلة عالم الفكر المجلد الثامن العدد الأول 1977 م
المصدر : andalushistory.com