الجزائر

الأديب المغربي محمد الأشعري ل‎ "المساء":‏ الأدب المغاربي ليس بحاجة إلى اعتراف



محمد الأشعري شاعر وروائي وسياسي مغربي، وهو وزير الثقافة المغربي الأسبق ورئيس اتحاد كتّاب المغرب الأسبق، له 12 ديوانا شعريا من بينها؛ “صهيل الخيل الجريحة”، “سيرة المطر”و”مائيات”، وأعمال في أجناس أدبية أخرى، مثل المجموعة القصصية “يوم صعب”، رواية “جنوب الروح” ورواية “القوس والفراشة” التي تحصّل بها السنة الفارطة على جائزة “البوكر”..، “المساء” التقت بالأديب محمد الأشعري عقب مشاركته في الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب، وأجرت معه هذا الحوار:
- نشرت دواوين شعرية منذ سنوات السبعينات، ولم تكتبوا الرواية إلا في سنة 1996، كيف كان الانتقال من الشعر إلى الرواية: هل كان عفويا أم مخططا له؟
* أكتب منذ السبعينات، ونشرت دواوين شعرية وقصصا ومقالات أدبية، حيث صدر لي 12 ديوانا شعريا ومجموعة قصص، وروايتان، وآخر رواية صدرت لي سنة 2010 بعنوان “القوس والفراشة”، وتحصلت بها على جائزة البوكر سنة 2011، كما أضيف أنه لدي حضور للحكاية والسرد حتى في الكتابة الشعرية، وزاوجت بين الكتابتين ليس بنفس القدر من الكتابة والإنتاج، ولكن اعتبرت أن القضايا عموما، أو إذا شئنا الرؤية الإبداعية تحتاج إلى تنويع دائما، فلا يمكن أن نقول كل الأشياء التي نريد قولها بجنس أدبي واحد، لهذا كتبت مسرحية ومقالة وقصة قصيرة وشعرا، ولكن يظل إخلاصي الأساسي للشعر.
- الروائي ليس مختصا في التاريخ، ولكن يمكن أن يكون شاهدا عليه؟ كيف يمكن المزج بين الواقع وهو التاريخ، والرواية وهي الخيال؟
* أظنّ أنّ كلّ تخيّل هو أيضا نوع من الحوار مع الواقع، و ليس هناك تخيل مجرد تماما، أنا أومن بأنّ الكتابة لا بدّ أن يكون فيها نوع من الانخراط الشخصي، فالكاتب ليس مجرد ناقل تقني للأشياء، وأومن بأنّ الانخراط الشخصي شيء ضروري، ويُفترض أن يحمل العمل الروائي أو الشعري تأمّلات الشاعر ورُؤاه، طريقة تفكيره ومشاعره الخاصة، وفي هذه النقطة بالذات، يمكن أن يلتقي التاريخ بالخيال أو الإبداع، وهذا لأنّنا نكتب كحيوات موجودة في نسيج اجتماعي وفي فضاء يتحول، يسائلنا ويخاطبنا دائما ونحن نحاول من خلال الكتابة أن نصارع هذا المجال الذي نعيش فيه أو نتصالح معه، وهنا تكمل الرؤية التاريخية للعمل الإبداعي.
- كتبتم أن الموت يأتي حينما نمارس الفضيلة والرذيلة في آن ومكان واحد، أوليس الحياة تجمع بين الاثنين؟
* الحياة تجمع بين الاثنين بطبيعة الحال، لكنني لم أكتب عن الموت كظاهرة بيولوجية، ولكن كتبت كيف تموت الأمكنة والروح، ففي رواية “جنوب الروح” حاولت أن أتابع ميلاد ووفاة قرية من خلال الهجرة التي ولدت القرية، ومن ثم الهجرة من القرية إلى الخارج هي التي أماتتها، وحاولت أن أكتب في هذه الرواية نوعا من قصة اضمحلال ينشأ عنها بالحكاية ميلاد جديد دائما، فأنا لا أكتب عن الموت كظاهرة ميتافيزيقية أو وجودية، أو قلق الموت، ولكن أكتب عن التلاشي وليس عن الموت.
-ماذا عن الروح، كيف لها أن ترفرف في عالم غارق في الماديات؟
* أعتبر أنه لا يمكن أن نفصل بين الاثنين؛ الجسد في حياته اليومية في اشتهاءاته، عجزه وفي خيباته، يصنع كذلك تعبيرات روحية، وهناك محاولات بائسة أحيانا تريد من خلالها بعض التيارات، مثلا، أن تلغي بها الجسد وكأن الروح يمكن أن تسكن في مكان آخر غير الجسد، المسألة لا علاقة لها بالحياة، بل لها علاقة بإعدام كل إمكانية الحوار بين إمكاناتنا الروحية وإمكاناتنا الجسدية.
-هل حصولكم على جائزة البوكر من خلال رواية “القوس والفراشة” السنة الفارطة، غيّر من حياتكم الأدبية شيئا؟
* لا أبدا، شخصيا لم أكن في منطق الجائزة، أنا أكتب منذ سنوات كثيرة، ولدي علاقة وجودية بالكتابة، وهذه الأخيرة ليست بالنسبة لي مسألة اجتماعية، يعني أنا أكتب حتى وإن لم أحصل على جائزة، حتى وإن لم يقرأ لي أحد، سأظل أكتب، الكتابة هي حاجة وجودية وليس مجرد طريقة للتواصل، فمن الممكن أن نتواصل عبر أشياء كثيرة، ولكن الكتابة اختيار عميق في الحياة، لذلك فاختياري هذا هو الذي غيّر مجرى حياتي وليس الجائزة أو غير ذلك.
-هل تكتبون بحرية أم تأخذون بعين الاعتبار ما سيفكر فيه القارئ؟
* أكتب بحرية بالمعنى الذي يجعلني لا أخضع في كتابتي لا لطلب مسبق ولا لرفض مسبق، أنا أكتب انطلاقا مما أريده وأحسّه وأومن به، بطبيعة الحال، هناك المجال الذي نكتب فيه وننشر فيه، والذي يفرض الكثير من العوائق في اللغة، وهناك عوائق في اللغة نفسها، وهذا يحد من الحرية ولا يمكن لأيّ واحد أن يدعي بأنّه يكتب بحرية مطلقة.
- ما هي نظرتكم النقدية لواقع الأدب المغربي؟
* هناك كما في كل أدب، لحظات قوة ولحظات ضعف، بدون أن ننسى قدرة الأدب الخارقة في خلق المفاجأة، بل هو موجود لكي يفاجىء دائما، وأنت لا يمكن أن تعرف كيف تحصل تلك الكيمياء السحرية التي تجعل نوعا من الكتابة الجديدة ونوعا من الرؤية الإبداعية الجديدة تظهر فجأة، ولا يمكن أن تكون نتيجة قرار مسبق، بل هي تفاعل عميق في التربة، في اللغة والتمثلات، ولذلك أعتبر أنّ الأدب المغربي اليوم يعيش بعض اللحظات القوية من خلال نصوص جديدة، ويعيش أيضا العوائق التي تعيشها الثقافة العربية عموما، والمتمثلة أساسا في ضعف صناعة الكتاب وضعف القراءة وانحصار مجالات الحرية، كما أنّ المناخ الذي ننتج فيه مهم جدا، ولا يمكن أن ننتج أدبا قويا في مناخ تحكمه الكثير من العوائق الفكرية والتضييقات التي نراها ليس بالضرورة في الاختيارات السياسية، بل أيضا في المجتمع والدولة على السواء.
-هل هناك صراع بين التيار الفرانكفوني وتيار الادب المكتوب باللغة العربية في المغرب؟
** أعتقد أن هذا الأمر تم تجاوزه منذ فترة طويلة، ولم يعد هناك إلحاح لهذه الظاهرة، وهناك نوع من الاستيعاب بأن اختيار اللغة هو اختيار حر، وأنه ليس اختيارا يعبرّ عن رضوخٍ لإرادة استعمارية، بل هو اختيار للكتابة، وهو اختيار يُغني الحياة الأدبية والثقافية المغربية، من هذه الناحية، أظن أننا يجب أن نتحرّر من النظرة إلى اللغة وكأنّنا نعيش في أجواء خمسينات القرن الماضي.
- بصفتكم عضوا في الحزب الاشتراكي، هل يمكن أن تكتبوا بحرية من دون إيديولوجية معينة وتوجّه سياسي معين، هل يمكن أن تفصلوا بين الكتابة والسياسة؟
* انتمائي لهذا الحزب جاء في ظروف سياسية خاصة في المغرب، وناضلت في صفوفه من أجل الحرية، الديمقراطية و حقوق الإنسان، ونلت نصيبي من المشاكل المترتبة عن ذلك، وعندما تقدمت الأمور في المغرب نسبيا وحصل تحوّل سياسي سمح للمعارضة بأن تتسلّم بعضا من الأمور، خوطبت في أن أتحمل مسؤولية وزارة الثقافة وفعلت ذلك، لكنّه لم يكن اختيارا سياسيا احترافيا، لأنّني أنتمي لمبادئ وقيّم أكثر مما أنتمي لتنظيم، ولذلك ورغم موقعي المهم في المسؤولية، إلاّ أنّني لست منتميا أعمى حتى يحصل لي أن أنتقد الحزب الذي أنتمي إليه، أكرّر أنّ ظروف تاريخية فرضت عليّ أن أعيش هذه الثنائية بين السياسي والثقافي، لكن عندما أكتب، فإنّني أسمح لنفسي فقط بالانتماء للأدب وليس لأيّ شيء آخر .
- وكيف هو واقع الأدب في المغرب في ظل وصول الإسلاميين إلى الحكم؟
* أعتقد أنّ الأدب لا يمكن أن يخضع لهذه التبدلات السياسية الظرفية، فالإسلاميون وصلوا إلى الحكم عن طريق الانتخابات، وبدأوا في ممارسة بعض أفكارهم في مجالات عدّة، وكلّما اقتربوا من القضايا التي تتعلق بحرية التفكير والإبداع إلاّ ووجدوا مقاومة واضحة من قبل الكتّاب والمبدعين بصفة عامة، ويمكن أن أقول بكلّ وضوح أنّه ليست هناك علاقة ودّ بين عالم الكتابة، الإبداع والفن، وبين هؤلاء، ولكن مع ذلك، فنحن لا نعتبر أنّ وصول تيار سياسي إلى الحكم هو إعلان عن الدخول في مرحلة أزمة، ونحن نحاول من الناحية السياسية أن نتصرّف كمؤمنين بالديمقراطية ولا نرفض حقّ من انتُخبوا في أن يتحمّلوا المسؤولية، ولكن لا نسمح لهم بأن يستعملوا الديمقراطية التي سمحت لهم بالوصول إلى الحكم ضدنا، وبطبيعة الحال إذا وصلوا إلى المسّ بالمكتسبات التي حقّقها المغاربة في ظلّ نضالهم من أجل الديمقراطية، سنواجههم بالتأكيد.
- ما حدث في تونس ومصر من مقاومات شعبية أو ثورات عربية، هل يمكن أن تفصح عن ميلاد أدب جديد يرافق التغيرات الكبيرة التي حدثت في هذه المناطق؟
* أنا لا أفكّر بهذا المنطق الأوتوماتيكي، أي بين ما يحدث على الصعيد الاجتماعي والسياسي وبين ما يحدث في الأدب، ليس فقط من ناحية المسافة الزمنية، ولكن أيضا لكلّ مجال طبيعته وتركيبته الخاصة، أنا أعتبر بأنّ الكثير من الإنتاجات الأدبية خصوصا في الرواية، القصة، المسرح وأيضا في الشعر، كان فيها كثير من الإيحاءات بهذا الاختناق والانفجار الذي حدث وهذا قبل “الثورات العربية”، وقد قرأنا بعض الأعمال العربية وسمعنا عن الأجواء الحادة التي وصلت إليها المجتمعات، والتي لا يمكن أن تستمر بدون انفجارات، وحدث هذا في تونس ومصر، ولكن السياسيين لا يقرأون الأدب مع الأسف، لذلك أعتبر أنّنا دخلنا الآن في بداية مرحلة جديدة ستنتج عنها تغييرات عميقة في مجتمعاتنا من الناحية السياسية والاجتماعية، ولكنّني لست من الذين يقولون إنّه حدث ربيع عربي وأدّى إلى خريف إسلامي، فهذا نوع من الكاريكاتور للتحوّلات التاريخية، وأقول إنّ لفظة أو وصف “الربيع العربي”، وصف متحمّس لانفجار حدث، ويجب ألا يتحوّل هذا التعبير المتحمس إلى اقتناع باهر بأنّنا وصلنا إلى شيء جديد، الشيء الجديد يحدث بعد تفاعلات عميقة، ولهذا أنا متيقّن بأنّ ما حدث سيغيّر من وجه العالم العربي، ولكن ليس بالضرورة ما سيغيّره اليوم، كما أنّني متأكّد بأنّ المجتمعات التي تتغيّر تنشئ أدبا جديدا، ولكن ليس معنى ذلك أننا سنقرأ هذا الأدب بعد يومين، لذلك يجب أن ننظر للمستقبل بنوع من التفاؤل وتطلّع بأن ثمة حقيقة أساسية تتمثّل في أنّه لم يعد أحد في بلداننا يقبل أن تستمر الأمور كما كانت عليها في السابق، ولن تستمر كما كانت عليه في السابق.
- تقلّدتم منصب وزير الثقافة وحقّقتم إنجازات عديدة، هل تحسرتم على شيء لم تجسّدوه على أرض الواقع؟
* كثيرا إلى درجة أنّني لو تحصّلت عليها لقضيت بقية حياتي يائسا، لا أظنّ أن في العمل السياسي كلّ شيء نسبي، نفس الشيء يقال في العمل العمومي، أنا دخلت هذه التجربة في وقت عرف فيه المغرب وضعية جديدة، حماسا كبيرا وتطلّعا للمستقبل، لذلك تمكّنت من الاستفادة من هذا المناخ العام للقيام ببعض الأشياء الإيجابية في المجال الثقافي، وأتمنى أن أكون قد ساهمت في تغيير المغرب الثقافي وإن كنت أعتبر أن الإجراءات المتعلقة بالسياسة الثقافية إجراءات معقّدة وتحتاج إلى تجربة طويلة، وربّما تراكم التجارب في هذا المجال يؤدّي إلى إنتاج وضع جديد.
- هل تعتقدون أنّ المثقف حينما يرتدي رداء سياسيا، سيتمكّن من تغيير الأمور أكثر مما لو اقتصر عمله في المجال الثقافي؟
* بل من الممكن أن يكون كارثة على التغيير أيضا، المسألة ليست لها هذه العلاقة المباشرة بين الوضعية الاعتبارية للشخص وإنجازاته في المجال السياسي، فالمجال السياسي يبقى مجالا سياسيا أولا وقبل كل شيء، وأنجح الكّتاب والشعراء إذا لم تكن لهم رؤية سياسية واضحة، قوية ومهيكلة، فإنّهم لن يقدّموا شيئا في المجال الذي سيتولون فيه المسؤولية، وإذا كانت هذه الرؤية موجودة لدى شخص ليس بالضرورة منتجا ثقافيا، فهو بالأكيد سينجح أكثر مما كان سينجح المثقف.
-ماذا تعرفون عن الأدب الجزائري؟
* أنا من المحظوظين الذين استطاعوا في فترة مبكرة أن يقرأوا عددا كبيرا من كتب روّاد الأدب الجزائري، مثل مولود فرعون، محمد ديب، كاتب ياسين ومولود معمري وغيرهم، وبعدها سعدت بالتعرّف مباشرة حينما كنت رئيسا لاتحاد كتاب المغرب على مثقفين جزائريين من بينهم؛ المرحوم الطاهر وطار، المرحوم عبد الحميد بن هدوقة وعدد من الشعراء والكتاب في الجيل الموالي مثل؛ واسيني الأعرج، حرز الله وغيرهما، ورغم محدودية العلاقات الثقافية بين البلدين للأسف الشديد، أتابع عن كثب تطوّرات الأعمال الإبداعية في الجزائر، وأعتبر أنّ هناك مناخا مشتركا في عدد من الأعمال الأدبية، وأتمنى أن يحصل نوع من الحوار العميق بين المنتجيّن الثقافيين في بلدينا لنستطيع أولا وقبل كل شيء أن نضمن لإبداعنا حدا أدنى من المناخ المشترك، لأنّنا عندما نعرف أن كتب المغرب لا توزّع في الجزائر والعكس صحيح، فإنّ هذا الأمر وحده كاف لإنتاج أكبر عدد من اليأس في بلدينا، وأتمنى أن نتجاوز هذا الوضع في أسرع وقت.
-لماذا يبقى الأدب المغاربي مجهولا في المشرق، وربما حتى عند أهله؟
* أظن أنه يجب أن ننسى تماما بعض الأسئلة مثل؛ “ما هي علاقتنا بالمشرق”؟، “هل يعترف بنا”؟.. يجب أن نخرج من مرحلة السعي نحو الاعتراف، وليس هناك اليوم أي سبب يدعونا إلى السعي وراء أي اعتراف ما، كما أن المشارقة ليس لهم أي سبب لأن يسعوا لا إلى الاعتراف ولا لفرض نوع من الأستاذية على الباقين، وأنا اليوم مقتنع أنّ المشرق يقرأ الثقافة المغاربية باهتمام كبير ويعطيها المكانة التي تستحق، رغم بقاء نوع من الشوفينية هنا وهناك، ولكن لا أحد في المشرق اليوم لا يعتبر أن ما أنجزه المفكّرون المغاربيون في عدد من المجالات في الفلسفة، النقد الأدبي والعلوم الإنسانية بصفة عامة، شيء هام وأساسي في الثقافة العربية، واليوم لا يمكن أن نتكلّم عن الثقافة العربية بدون ذكر الفكر الأساسي والمهيكل لما كتبه العلوي، الجابري، هشام جعيط، محمد مفتاح، أركون وغيرهم، لأنه لا توجد اليوم جامعة في المشرق العربي لا تستعمل في كلّ الأطروحات التي تقدم، مرجعيات أساسية مما ذكرت بعضه.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)