الجزائر

الأدوية والعلاج في تلمسان القديمة



يستند العلاج أساسا على الأدوية النباتية واللقاح والفصد، وبعملية الإسهال وتطهير الأمعاء، والحجامة وهي أكثر أساليب المعالجة شيوعا بتلمسان(25) وكانت بعض الأدوية التي توصلنا إلى معرفتها من خلال ما وجدناه في النصوص الزيانية، والتي كان المرضى يستعملونها، وتتمثل في الأنواع المختلفة من الأشربة ومن الغرغار، والأدهان وحب الفلفل والتبوع والبتوع اللبد، وهي عبارة عن عروق لنبات الأنبسون والسكر، يخلك بالماء ثم تقدم شراب للعلاج(26)، والعشاري(27) وحب الزنم(26)، وهو دواء يصلح للأمراض التناسلية والجنسية(29) وحب العروس(30) وهو شراب يعالج الصداع ووجع الأسنان، وعصير العناب والرمان(31).
ومن عادة أهل تلمسان أن يقدموا للمريض مرق الشربة بالدجاج، عندما يشتد عليه الزكام والسعال(32)، وحسو النشا(33)، وتتم عملية الفصد عندهم باخراج الدم بواسطة الحجامة، ثم يتناولون بعض الأشربة المقوية، والغرغار وأدهنة الجروح وشراب الأرجوان(34).
نشير إلى أن الخطيب ابن مرزوق قد تعرض لمرض يئس الأطباء من شفائه، فلم يبق لهم إلا أن طلبوا من والده أبو العباس أحمد وهو الولي الصالح، أن يتضرع إلى الله، حتى يكتب له الشفاء، ففعل فاستجاب الله لدعائه فقال أحد الأطباء: ''هذا طب القلوب وليس طب العلوم''(35).
وكان الأطباء يعالجون مرض الرمد، بدواء يحضر بخلط الحضض باللبن، وتطلى به الأجفان وتغسل العينان، بماء يطبخ فيه السادروج، ويعصب عليها ورق الهذب مدقوقا ومعجونا ببياض البيض وورق الفجل ودهن الورد مدقوقا حتى يصير مرهما(36).
وكان العلاج يتم تحت إشراف الأطباء أو في بيمارستان المدينة، ويبدو أن بيمارستان تلمسان، قد شيد قبل عهد أبي حمو موسى الثاني(37)، لأن السلاطين الذين سبقوه كانوا أيضا سباقين إلى عمل الخير وخدمة الرعية، مولعين بالبناء والتشييد، ومتنافسين عليه، وقد سبق ليوسف بن يعقوب أن بنى بيمارستانا في مدينة المنصورة، أثناء حصاره الطويل لمدينة تلمسان، وعني بتجهيزه بالوسائل المادية والبشرية(38).
ويعمل بالمستشفى الأطباء والحكماء، لمداواة المرضى ومعالجتهم والتخفيف عن آلامهم، ومعاناتهم والتصرف في مطالبهم(39). وكانت به عدة غرف متخصصة للحمى والمجانين والمجذوبين(40).
وبالرغم من انعدام الوثائق التي تبين سير العمل في البيمارستان التلمساني، وتوضيح هيئة الموظفين الذين يعملون به، إلا أنه يمكن استخلاص ذلك، من خلال إشارات في هذا الباب أوردها حسن الوزان الفاسي، والذي أكد على وجود موظفين للمستشفى إلى جانب الأطباء والحكماء، منهم الكتاب والممرضون والحراس والطباخون وغيرهم، يتقاضى كل واحد منهم أجرا محددا كل شهر(41).
كانوا يتتبعون الحالة الصحية لكل نزلاء البيمارستان، وكان الطب النظري موضوع عناية عدد كبير من الأدباء والفقهاء، نظرا لعناية الدولة ورعايتها لهذا الجانب من العلوم الطبيعية(42). فضلا عن المهمة الصحية والإنسانية، التي يقوم بها البيمارستان كان يستقبل الغرباء ويستضيفهم لمدة ثلاثة أيام(43)، ويداوي الطيور والحيوانات الجريحة، ويتكفل بغسل الأموات الغرباء وكفنهم ودفنهم(44).
والظاهر أن المستشفى كان يعالج المرضى بالموسيقى، فقد كان له وقف برسم الموسيقيين الذين كانوا يزورونه، مرة أو مرتين في الأسبوع، ويقدمون للمرضى ونزلائه نغمات موسيقية مناسبة لهم(45)، لأن ذلك يفيد في انشراح الصدر وإنعاش الروح، فتقوى ضربات القلب وتعود الأعضاء الجسمية إلى تأدية وظائفها. فقد كان العلاج بالموسيقى والغناء من الوسائل النافعة في علاج الحمق، كما هو الشأن في الوقت الحاضر(46).
وكانت طريقة العلاج أيضا تخضع للطريقة النفسية، وهي طريقة معالجة الأضداد بالملاطف والتدبير(47)، وكان يقدم للمرضى ثياب بالمجان للنوم في الليل والنهار وفي فصل الصيف والشتاء(48). وقد ألحق بالمستشفى، صيادلة لصناعة الأشربة والأدهان والأكحال(49)، وتوجد بعض الصيدليات التي يملكها الأطباء، في سوق العطارين تباع فيها المواد المتعلقة، بالعطارة والطب، التي يهيئها الأطباء والحكماء في منازلهم، وتباع للمرضى مقابل وصفة طبية(50).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)