الجزائر

الأدب في مواجهة الصورة


الأدب في مواجهة الصورة
أضحت الصورة من أبرز رهانات العصر الحالي، لا بوصفها بعدا فنيا جماليا فحسب، بل باعتبارها أيضا إنتاجا اقتصاديا رأسماليا وتسويقا تجاريا (الصورة الإشهارية)، وترفيها ثقافيا ووسيلة للإعلام والاتصال. إنها حضارة الصورة دون منازع، الأمر الذي يستدعي التساؤل عن مصير الآداب والإبداعات الرمزية في عصر التكنولوجيا والمعلوماتية، لذلك ينظم مخبر "المتخيّل الشفوي وحضارات المشافهة والكتابة والصورة"، بالتعاون مع كلية الآداب واللغات بجامعة الحاج لخضر بباتنة، المؤتمر الدولي "الأدب في مواجهة حضارة الصورة"، يومي 05 و06 ماي المقبل.يطرح الملتقى عددا من التساؤلات المتعلقة بالموضوع والحديث عن تلاقح فني بين الأدب وهذه التقنيات، فهل يمكن للصورة أن تكون بديلا عن الأدب كخطاب يقدم بعدا أنطولوجيا معينا؟ أم هي تقنية تساعده في تقديم هذا البعد؟ وهل استطاع الأدب تطويع الصورة التكنولوجية لتكون في خدمته؟ أم أنه فقد روحه وخضع لمقاييسها واشتراطاتها؟ وهل نحن أمام استنساخ أدبي جديد يقوم على المهجنة الفائقة وعلى انصهار كلي لكل أبعاد الإنسان ولكل المكونات السمعية والخطية والبصرية والذوقية والحسية والخيالية داخل حلم الطوباوية الجديدة؟يهدف الملتقى في مسعاه العلمي إلى تجاوز المقاربات القديمة في معالجتها للأدب في إطارها التقليدي، ومحاولة معرفة واقع الأدب في عصر العولمة والثورة المعلوماتية، وذلك بتحليل معطيات الواقع من خلال استقراء واستقصاء أثر حضارة الصورة على هوية الأدب ضمن مشروع هذا الملتقى الذي تدرج وفق خطة علمية مدروسة معتمدا أسئلة منهجية تسعى إلى الإجابة عن مجموعة من التساؤلات التي شكلت محاور هذا الملتقى.ويستدعي اللقاء ضبط مجموعة من المحاور لإثراء النقاش، تتطرق إلى موضوع المتخيّل الأدبي بين الثابت والمتحوّل في ظل التحولات الحضارية المختلفة (حضارة المشافهة- حضارة الكتابة- حضارة الصورة)، وكذا التراسل بين الآداب والفنون البصرية (الفن التشكيلي، الفوتوغرافيا، الصور المتحركة، السينما، التلفزيون، الإشهار، الإنترنت، الخ)، والأدب/الصورة "محاكاة، اندماج، احتواء، حوار، توافق، تأثيرات متبادلة"، بالإضافة إلى موضوع بلاغة الصورة وتلاشي التصوّر التقليدي الأدب، وحضارة الصورة والنصوص الجديدة (النص المترابط، النص الرقمي، النص التفاعلي، النص الهجين، الخ، وكذا محور تداخل بين عوالم المكتوب والمرئي والمقروء.ولقد أدرك الإنسان منذ عهد الجداريات الكهفية أن الصورة بعد أنطولوجي مرتبط بوجوده، إنها الحضور الرمزي الذي يجسد عوالمه الروحية والنفسية والاجتماعية، فتعامل معها تعاملا خاصا، ورفعها إلى مرتبة المقدسات الدينية، واستعملها بصفتها طلاسم وطقوسا احترازية سحرية، مؤمنا بقدراتها المذهلة. فكانت الصورة مقاربة رمزية للأشياء تجتمع فيها جدلية المادي والروحي، المجسد المجرد، الذات والآخر، الحضور والغياب، المباشر وغير المباشر. فالإنسان لا يستطيع صياغة علاقته بالعالم إلا بتحويلها إلى أنساق رمزية، ولهذا كانت الصورة مادة التشكيل في الرسم والشعر معا، ولهذا نفسه جاء علم البلاغة كعلم لدراسة الصورة.ثم أشاعت الطباعة نوعا من الطبقية في التلقي، غير أن الصورة قد ردمت الهوة بين النخبة المثقفة والجماهير العامة، فكان الانتقال بالتلقي من القراءة إلى المشاهدة إلى التفاعل والمشاركة. فالحداثة التي نعيشها هي حداثة صورة بامتياز، وهذا ما أعلن عنه آبل جونز، عام 1926، عندما قال إن العصر الذي نعيشه هو عصر الصورة، وهو نفسه ما ذهب إليه رولان بارت، في تحليله السيميائي عبر مقالته "بلاغة الصورة"، عندما صرح بأننا نعيش ثقافة الصورة.إن التطور المذهل لوسائل الإعلام وتكنولوجيا الصورة أدى إلى الانفتاح على مجالات المتخيل، ولقي تشجيعا من قبل النظريات الشعرية والسيميولوجية والفلسفة الظواهرية والسيكولوجيا الجشطالتية، مما أدى إلى ازدهار علوم الثقافة البصرية التي تسعى لمعرفة آليات اشتغال الصورة وإدراك مدلولاتها وإيحاءاتها باعتبارها لغة ذات حمولة حضارية تعمل على نقل كم هائل من المفاهيم والتصورات والقيم الأيديولوجية والثقافية في مختلف المجالات، وهو ما طرح بقوة إشكالية تعالق النص الأدبي بالصورة التكنولوجية.لقد حررت التكنولوجيا الصورة من تبعيتها الفنية، وخلقت بالمقابل تبعية الفنون والآداب للصورة، فكان الخروج بهذه الفنون والآداب من الرسم والتشكيل والكتابة إلى عالم الفوتوغرافيا والسينما والتلفزيون والفيديو والرقميات عبر تطور وسائل الإعلام البصري، كما استطاعت الانتقال من المحلية إلى العالمية أو ما يسمى بالقرية الكونية، عبر الأقمار الصناعية وشبكات التواصل الاجتماعي والانترنت.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)