الجزائر

الأدب، ذلك الشيء القريب البعيد...



يمر العمر سريعا، ونمر في إثره سراعا، ونكتشف في منتصف الطريق أن أمورا كثيرة فاتتنا ويتعذر علينا أن نلوي أعناقها مرة ثانية.وإذا كان بنا بعض الحب لشؤون الأدب تبين لنا أن الأدب هو ذلك الشيء القريب والبعيد في نفس الوقت نحب هذا الأديب أو ذاك، هذا الشاعر أو ذاك، وقد يدوم حبنا هذا زمنا طويلا لا تشوبه شائبة ولا يعتريه أدنى تغير في شكله وفي مضمونه.
غير أننا في بعض الأحيان نشعر بما يشبه التجلي. فالأدب يتحول إلى شيء آخر، نصبحه ونمسيه، و لكن من زاوية نظر تختلف الاختلاف كله عن تلك التي درجنا عليها. يصير الأدب حالة من حالات التصوف التي قد يعيشها هذا المبدع أو ذاك. الشعر لا يظل شعرا، والرواية قد تنسلخ عن جلدتها و ترتدي لبوسا آخر.
وبذلك يحدث التحول في أعماقنا من حيث ندري ولا ندري، وتتغير القاعدة المشتركة بيننا وبين سائر الذين يتعاطون الإبداع الأدبي من قراء وكتاب. وقد ينظر إلينا بعض أهل الأدب نظرة فيها الكثير من التعجب، بل ومن الاستخفاف، والسبب هو أننا نكون قد انتهجنا سبلا أخرى لا عهد للقراء ولا للأدباء بها.
غير أن الحقيقة العظمى في هذا الشأن تظل كامنة في الشيء الجديد الجميل الذي تكون قد اكتشفناها في منتصف العمر. هوميروس لا يظل ساكنا في »إلياذته« ولا في »أوديسته«، بل يصير موضوعا آخر فيه الكثير من الجدة و الجمال، والسبب في ذلك هو أن الحياة تكون قد غيرتنا وأنشأت معايير جمالية جديدة في وجدان كل واحد منا.
والمتنبي لا يبقى ذلك الشاعر الفارس المغوار، وإنما يكون باعثا على الحكمة في هذه الدنيا لأن نفوسنا ما عادت تكتفي بجمالياته بل تتطلع نحو جماليات أخرى تكون أقرب إلى العقل الفردي منها إلى العقل الجمعي. وكذلك الشأن بالنسبة لجميع أنواع الإبداع الأدبي، فهي الأخرى تكون قد عراها التغير بحكم أن هذا التغير يكون قد حدث في أعماقنا في منتصف العمر.
وهكذا يظل الأدب ذلك الشيء الجميل حتى وإن مالت نفوسنا إلى النظر إليه من زوايا متجددة على الدوام.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)