الجزائر

الأخبار بالفيديو


الأخبار بالفيديو
أيام دامية، ليال العنف والنار والدمار، ساعات "القتال" والعويل، وتبادل طلقات الرصاص، مصطلحات دخلت القاموس المصري-المصري، فالتحمت بمعاني الديمقراطية فيه، وبات الموت عند الشعب سنّة من سنن الوطن، وتحولت الأنظار نحو ميدان رابعة العدوية وقصر الإتحادية، فتفجر الاقتتال المصري ' المصري، واستبيح دم ابن الوطن والدّين واللغة والأم، واختلف أبناء البيت الواحد، فحمل الابن الأكبر السكين في وجه أخيه الأصغر، ولم يفلح الأبوان في فض الاقتتال. شارع أزهر بالأرامل والأيتام بين عشية وضحاها، وميادين أنبتت في يوم وليلة الثأر والعار. وتروي لنا الشابة المصرية هديل محمد ذات ال36 ربيعا، أم لطفلة، تفاصيل يوم فض اعتصام رابعة العدوية، لتبدأ مأساتها وإخوانها بعد صلاة الفجر، على حوالي الساعة السادسة صباحا، تبكي هذه المرأة حرقة على وطنها، وعلى الظّلم الذي ساده، تقول إنها كانت بخيمة الاعتصام نائمة رفقة امرأة وابنتها، حينما صرخ الدكتور صفوت الحجازي من على منصة الخطاب بميدان رابعة عبر مكبرات الصوت، ويدعو المعتصمين للاحتشاد أمام المنصة، مرددا، "الجيش طوقنا.. الله أكبر". تقول هديل في حديث ل"البلاد" إنها لم ترد مغادرة الخيمة، ولزمت مكانها خوفا من الموقف، من جهة، وحراسة لأخواتها من جهة أخرى، وبعد لحظات تفاجأت بالغازات المسيلة للدموع داخل الخيمة، وبحرق المكان الذي كانت فيه، تروي لنا الشابة المصرية التي أكدت أنها لم تستعمل الدّين يوما لأغراض غير المستباحة، وأن لديها العديد من الأصدقاء المسيحيين، وأنها لم تكفّر أحد يوما، وأن اعتصامها كان من أجل وطنها وأرضها، وأنها ترى أن الاحتجاج حق مكفول ومشروع، ولا يحق لأحد مهما كان أن يحاسبها على آراءها السياسية. وقالت أيضا "لم أتخيل يوما أن تصل الأمور بنا إلى هذه المواصيل، أن نقتتل بعضنا من أجل السياسة، لم أتصور ولو للحظة أن الفتيل المصري سريع الاشتعال لهذا الحد، وأن العسكر سيكون بهذه البشاعة وبهذا الظلم". وتواصل محدثتنا فتقول إنها لطالما وثقت بالجيش رغم ما كانت تسمعه عنه، ولكن كل ذلك كان "حينما كان يحمي الجيش مطالب الشعب، وكان دوره مقتصرا على الأمن، وقبل أن تخضب أياديه بدماء مواطنيه"، تصف لنا هديل لحظة خروجها من خيمة الاعتصام بميدان رابعة فتشير إلى أن هول المنظر كان أكبر من الوصف، مضيفة أن القناصين من الشرطة كسوا أسطح العمارات المقابلة، فكان يسقط أمامها زملاءها في الاعتصام. ولم يكن لهديل الجرأة حسب ما روته لنا حتى للعودة لإنقاذ من أصيبوا في يوم "الموت"، مخافة قنصها، "خاصة أن القناصين كانوا يستهدفون كل من تجرأ على إنقاذ جريح.. لم يكن يسمع وقتها ولا يرى سوى الدخان الأسود والصراخ، تكبير من هنا وعويل من هناك، دماء من هنا وأحشاء بشرية من هناك، فوارغ الرصاص والنيران"، مشاهد ترويها هديل التي أكدت أنها تفوق الوصف والتّعبير، يوما "جهنميا".. هكذا أرادت محدثتنا أن تسميته.. بعد ثوان أحصتها هديل سنين، من الخوف والذعر وصلت إلى المبنى المقابل الخالي من السكان، للاختباء هي ومرافقاتها، مكثت تراقب داخل ذلك المبنى ما يحصل، بعد أن صعدت إلى الطابق العلوي بمساعدة المعتصمين هي ورفيقاتها، واختبأن هناك يراقبن ما يحصل. وتؤكد هديل أنها رأت بأم عينيها عناصر الشرطة وهي تدس السلاح في الخيم وتقوم بتصويره، لم تفهم في تلك اللحظة المراد من هذا الفعل ولكن استوعبت هذا التصرف بعدما نجت بأعجوبة من الموت، حينما رأت مشاهد انتشار السلاح في خيم المعتصمين عبر المحطات التلفزيونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، فهمت "الخطة الشيطانية لهؤلاء الذين حاولوا تشويه صورة المعتصمين ولكن الحقيقة ظاهرة"، وفق تعبيرها.وبعدها بدأ رصاص القناصين والقنابل المسيلة للدموع تنهال عليهم، مما جعل بعض المعتصمين من الرجال يخرجونها من هناك بأعجوبة ويأخذونها نحو المستشفى الذي يبعد حوالي 20 مترا. وتؤكد لنا المتحدثة أن المعتصمين لم يتلقوا أي إشعار باقتحام الأمن لدائرة الاعتصام، وأنهم لم يتصوروا أن تصل "وحشية الشرطة"، كما وصفتها، حد اغتيال مواطنين مصريين ذنبهم أنهم شاركوا في مظاهرات سلمية "تأييدا لمعتقد سياسي ما".تصمت، هديل لتلتقط أنفاسها التي احتبست ألما من بشاعة المنظر، التي حاولت وصفه، باللا إنساني، على باب المستشفى، وتقول "جثث متراصة فوق بعضها، دماء أغرقت الأرضية، أطفال ضائعة من أهاليها، صراخ الآلام الجسدية، وآلام الظلم". ساعات كاملة من الأخذ والرد في العنف، من السادسة صباحا وإلى غاية العصر، وهديل تساعد في المستشفى بحكم أنها من المحاصرين، فلا خيار لديها سوى أن تبقى في الميدان، وبعد العصر جاء نبأ اغتيال أسماء البلتاجي، ابنة الدكتور محمد البلتاجي الذي وصفت لنا محدثتنا حالته حينما رأى ابنته الوحيدة، التي قنصت برصاصة في الرأس، أسماء ذات ال17 ربيعا، التي خرجت لتؤيد المعتصمين ب"رابعة العدوية"، والتي اغتيلت وهي تنقذ رضيعا في الميدان حسب ما روته لنا هديل. وقال البلتاجي حال رؤيته لجثة ابنته "أحتسبك عن الله شهيدة". وراح ليطمئن على باقي الجرحى ونسي ألمه، فالموقف أكبر من أن يحتمله العقل البشري أو تستوعبه النفس الإنسانية" تقول هديل .
الغريب في كل ذلك- حسب رواية هديل- أن الشرطة، لم تكتف بالقنص، وبدهس المعتصمين بالسياراتها، وبحرق الجثث لمحو ملامحها، "إخفاء للجريمة"، بل تعدت ذلك إلى اقتحام المستشفى "لسرقة الجثث، وإلباسها لباس الشرطة الرسمي، وتصويرها على أساس أن الإخوان عذبوا وقتلوا الشرطة في ميدان رابعة العدوية. وتقول محدثتنا إنه حصلت الكثير من المشادات من أجل الجثث"، متسائلة بتعجب "وهل هناك أفضل من الاقتتال على جثة ميت"؟.
وبعد يوم دام، وقتل المعتصمين واشتباكات مضنية، "معادلة غير متساوية الأطراف، جهة بها جيش وشرطة وسلاح، وأخرى بها معتصمين سلميين ورأي"، طلبت الشرطة ممن بقوا على قيد الحياة الخروج من الميدان رافعي الأيدي ومن النساء رافعين رايات بيضاء، للتأكد من نيتهم، وذلك بعد صلاة المغرب، فتصف "خرجنا من ميدان رابعة على أصوات ضحك عناصر الشرطة واستهزاءهم، لم نفكر وقتها سوى فيمن اغتيلوا على أيدي مصرية، وعلى أيدي من نسميهم الأمن فباتوا الجرح والأعداء".
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)