الجزائر

الأخبار التاريخية ومبتدآتها الاجتماعية في نظرية العمران الخلدونية



حينما أنجز ابن خلدون كتابه الكبير في التاريخ الإسلامي، حرص على أن يضع له عنوانا معبرا عن مضمونه تعبيرا مفصلا دقيقا، على عادة ما كان يفعله كتاب العرب الكبار، فأسماه " كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" (1). فإذا كان ابن خلدون يريد لكتابه أن يكون مصدرا لاستخلاص الدروس والعبر، فإن من البداهة أن يكون كذلك، لأن التاريخ، منذ أن وجد رواة الأخبار ومؤلفو الحكايا والأساطير والمؤرخون، وهو يتوخى تعليم الرجال، وتهذيب أخلاقهم، وتربيتهم على الاقتداء بنماذج العظماء في كل زمان ومكان، والسير على النهج الذي رسمته مآثرهم، بالصبر على الأذى، والطموح إلى بلوغ الفضائل، والتضحية في سبيل المثل العليا، ولأن التاريخ منذ وجد، وهو يوفر للملوك والوزراء رصيدا من المبادئ الأخلاقية والسياسية، يستثمرونه في إرصاء قواعد حكمهم، ويتفننون انطلاقا منه في صياغة الطرق والوسائل الناجعة لبسط سلطانهم. ولكن الذي ليس بديهيا هو أن يردف ابن خلدون بلفظة " العبر " عبارة " المبتدأ والخبر " تأكيدا لها، وتوسيعا لدلالتها، وتجاوزا لحمولتها العلمية والأخلاقية. وكأنه يوحي بأن التاريخ لا يمكن أن يكون مصدرا مفيدا لأي درس ولا عبرة، بل ولا أن يستحق حتى اسمه، إلا إذا كانت أخباره مقرونة بمبتدآتها، ليس بالمعنى الذي يفيد اقتران الأخبار بالأخبار، من بداية عصر إلى نهايته، وسردها وفقا لتعاقب الأحداث والوقائع المخبر عنها متسلسلة في الزمن، بل بالمعنى الذي يدل على ارتباط الأخبار بأشياء غيرها، موجودة وجودا مستقلا عنها، ولا تكون هذه الأخبار مفيدة إلا بمطابقتها لها. فهل هذه الأشياء ذات الوجود المستقل متضمنة في" أيام العرب والعجم والبربرمن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر "، كما يبرز ذلك العنوان، أم أنها تحيل على مسائل أخرى، تكشف عنها نصوص المقدمة ذات الصلة بمفهوم التاريخ، كما يحدد مضمونه ابن خلدون ويبين حقيقته. لا شك أن ربط ابن خلدون عبارة المبتدأ والخبر بأيام العرب والعجم والبربر له دلالة، وأن لهذه الأيام دلالة أيضا، سوف تتضح مما يعرضه ابن خلدون على قارئه من نصوص. غير أن الذي تكشف عنه العبارة هو أن هذه الأيام ليست عنده مصدرا للخبر فقط، بل هي كذلك اطار زمني لما يسميه ابن خلدون عن قصد " مبتدأ الخبر"

تنزيل الملف


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)