الجزائر

الأحزاب في سباق مع الزمن لرأب الصدع



في الوقت الذي تفرغت فيه بعض التشكيلات السياسية للتحضير للمواعيد السياسية المرتقبة ممثلة في التعديل المعمق للدستور المندرج في إطار استكمال الحزمة الثانية من الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية، تواصل بقية التشكيلات جاهدة لترتيب بيتها وتجاوز الشقاق الداخلي الذي دب في صفوفها في محاولة منها لاسترجاع الاستقرار والتموقع بقوة في المرحلة المقبلة.
نجحت حركة مجتمع السلم في تفادي الدخول في دوامة الحركات التصحيحية التي عصفت بعدة تشكيلات سياسية، رغم أنها لم تسلم من الخلافات الداخلية بعدما قرر رئيسها أبو جرة سلطاني عدم الترشح لعهدة ثالثة على رأس التشكيلة في مؤتمرها الوطني المرتقب مطلع شهر ماي، لكي لا يلقى نفس مصير زميليه في التحالف سابقا، والخروج من الباب الكبير محافظا على صورته، على عكس المؤتمر الأخير الذي لم يترك فيه أي مجال لمنافسه عبد المجيد مناصرة الذي انسحب في آخر لحظة، وأعاد الكرة في غضون السنة المنقضية في أعقاب الانتخابات التشريعية لما قرر الالتحاق مجددا بصف المعارضة ودخل في مواجهة من النواب وعلى رأسهم عمار غول الذي اضطر في آخر الأمر إلى المغادرة وتأسيس حزب بدوره.
غير أن سلطاني فضل هذه المرة عدم الدخول في مواجهات ومغادرة قيادة الحزب بمحض إرادته على أن يتم الضغط عليه وحمله على الرحيل، وترك بذلك المجال واسعا للترشح لمنصب رئاسة الحركة التي لم تعد فقط محسوبة على المعارضة وإنما أيضا منضوية تحت لواء التكتل الإسلامي «الجزائر الخضراء»، والى ذلك فان الحركة تغيرت كثيرا خلال عهدتي سلطاني ذلك أن العديد من الأعضاء القياديين فضلوا المغادرة كما أنها التحقت بصف الأحزاب المنتمية إلى التيار الإسلامي المتراجعة من حيث النتائج المحققة في مختلف الاستحقاقات.
وإذا كان سلطاني فضل الانسحاب وعدم الترشح لعهدة ثالثة، فان عبد العزيز بلخادم فضل مواجهة المنشقين عنه إلى آخر جولة ورغم أنه فاز في البعض الجولات من المعارك، إلا أنه خسر الحرب بعدما فرضت عليه الحركة التقويمية الانصياع إلى مطلبها المتمثل في ترك الخيار إلى أعضاء اللجنة المركزية الذين سحبوا منه الثقة، ولأن الخلاف الداخلي الذي أثر على استقرار الحزب تقريبا طيلة الفترة التي قضاها على رأس التشكيلة وصل الى حد انقسام الحزب مجموعتين متعارضتين، فان رحيل بلخادم لم يحل المشكل الذي ما زال مطروح بحدة بعد مرور أزيد من شهر عن رحيله، فلا الصفوف التئمت ولا الرؤى توحدت بخصوص شخصية تلقى الإجماع، وتبقى بذلك القيادة المقبلة غير بارزة رغم التحركات الحثيثة.
وعلى عكس «الأفالان»، فان التجمع الوطني الديمقراطي الذي عاش واقعا مماثلا بمعطيات مختلفة، ذلك أن أمينه العام السابق أحمد أويحيى فضل بدوره الانسحاب بتقديمه استقالته مطلع السنة الجارية مبررا ما أقدم عليه بالمحافظة على استقرار الحزب، نجح في إيجاد الشخصية التي تحظى بالإجماع ورغم انشغالاته باعتباره ثاني رجل في الدولة، إلا أن عبد القادر بن صالح قبل بالمهمة مؤقتا إلى غاية انعقاد المؤتمر الوطني حفاظا على الاستقرار، وتمكن من تشكيل هيئة ممثلة من التقويميين والموالين لأويحيى تفاديا لأي إقصاء يؤدي إلى انزلاق الحزب في غنى عنه لاسيما وأن موقعه جيد في الساحة السياسية كونه احتل المرتبة الثانية مباشرة بعد غريمه «الأفالان» الذي تبوأ المرتبة الريادية في كل الاستحقاقات التي جرت في 2012 ما يؤكد أن الانقسام الداخلي الذي تخبطت فيه عديد التشكيلات لم يؤثر لا على النتائج ولا على الأداء ولا على تموقعها.
وبالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية «الأفافاس» الذي عاش وضعا مماثلا لكن ليس على مستوى القيادة، ورغم ذلك فان الزعيم حسين ايت أحمد قرر بدوره الالتحاق بالقادة الذين وضعوا حدا لمسيرتهم بأحزابهم، شأنه شأن رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية «الأرسيدي» الذي كان سباقا بهذه الخطوة التي انخرط فيها قادة أكبر التشكيلات في الساحة السياسية.
ولم تسلم الأحزاب الفتية المعتمد مؤخرا من هاجس الانقلاب على القيادات والحركات التصحيحية وهشاشتها قد تؤثر على قدرتها في احتواء الوضع، وعلى الأرجح فان التغييرات الواقعة ستؤدي إلى إفراز طبقة سياسية جديدة بقياداتها وقديمة بنشاطها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)