لقد بقيت لنا بعض الآفات الاجتماعية أو بعض العادات السيئة الأخرى، التي عرفها المجتمع التلمساني، كغيره من المجتمعات الإسلامية الأخرى تتعلق، هي كذلك بالمنكرات يمكن الإشارة إليها، رغم كونها تعد من الأمور الشاذة، التي لا يقاس عليها لأنها محدودة الوسط، ونادرة الحدوث، لكن لها صدى أخلاقي كبير، وتأثير اجتماعي عميق، وتسيء للآداب، وتمس بمبادئ العقيدة والسلوك، وهو الأمر الذي جعل الآمرين بالمعروف والساهرين عليه، يشكلون رقابة صارمة، على الممارسات الأخلاقية التي تظهر من حين لآخر، في المجتمع التلمساني(186)، للحفاظ على الأخلاق والآداب العامة، وعلى كيان الأسرة وشرفها.
فقد كان بعض الناس يقومون بخرق إطار الشرع، ويتجاوز النموذج السلوكي الذي رسمه لنا الدين الإسلامي، ونظمه بضوابطه ونواهيه، لاسيما منها العلاقة بين الجنسين الرجل والمرأة.
وقد تدل على هذه التجاوزات، العدد الهائل من الفتاوى التي تحتفل بها كتب النوازل، وهي في معظمها تعالج مشكلة الأنكحة الفاسدة وزنا المحارم، والشذوذ والغضب والمساحقة والإجهاض وغيرها من الأمور التي حرمها الإسلام، إلى حد أن الفقيه العالم أحمد الونشريسي التلمساني صاحب المعيار، أفرد لها كتب خاصة ضمن مجلداته(187).
ويشير الفقيه ابن رشد الجد، إلى هذه الظاهرة وإلى أشكال الوطء المحرم، التي كانت تطرح بالحاج، على الجهاز القضائي في العصر الوسيط، وحصرها في خمسة مسائل أساسية(188).
وقد كانت الأمة أو الجارية تشتري من المعارض، ويبيت معها صاحبها ليلة ذلك اليوم، دون أن يوقفها للاستبراء(189)، وهو الشيء الذي يدل على الزنا سواء مع الإماء أو الحرائر(190). كما ظهرت آفة زنا المحارم عند البعض، من أصحاب التفنن في شهوات البطن والفرج(191). وقد عبر عنه ابن خلدون بأنه مفسد للنوع، ومخلط للأنساب(192).
وأن المترفين من أهل المدن، كانوا أبصر بطرق الفسق ومذاهبه/ والمجاهرة به وبدواعيه، حتى بين الأقارب والأرحام والمحارم(193)، مما تسبب في مشاكل اجتماعية خطيرة للأسرة، وقد ساعد على تسرب هذه الظاهرة وجود سوق النخاسة، بمدينة تلمسان وكون المدينة تقع على أهم مسالك التجارة، مما جعلها ملتقى العابرين من المسلمين وأهل الذمة والأجانب، من جهات وأقطار عديدة، فضلا عن الدور الذي كان يلعبه اليهود، في ترويج البغاء وبيع الخمور(194).
ومن الأمور التي تبعث عن الدهشة، أن بعض الفئات خاصة منها الفئة الميسورة من التجار، التي تملك العديد من الخدم والجواري، قد عرفت عملية إسقاط الأجنة، وهي محرمة شرعا، نتيجة المعاشرة غير المشروعة، مع اللأماء، فقد كان يفرض عليها سيدها تناول بعض الأدوية لإسقاط الجنين، وهذا ما أشار إليه الونشريسي، بقوله: ''كما يفضل سفلى التجار في سقي الخدم، عند إمساك الطمث، الأدوية التي ترخيه فيسيل المني معه لتنقطع الولادة(195).
ولعله من دوافع شرب الأدوية المانعة للحمل، الخوف من الاختلاط في الأنساب والدماء(196) من جهة، أو خوفا من أن تصير الآمة أم ولد، فيقع عتقها وتحريرها بعد وفاة سيدها. وقد عبر ابن خلدون عن خطورة هذه الظاهرة الاجتماعية باختلاط الأنساب وفساد النوع(197).
وكان الاغتصاب أو ''الغصب'' بلغة الفقه، معروفا عند أهل تلمسان تتعرض له الآمة والحرة على حد سواء (198)، وكانت هذه الظاهرة لا تزال في المجتمع المغربي بصفة عامة، تؤثر على سمعة البنت، وعلى زواجها، لأن الزوج كثيرا ما يدعي أنه وجد زوجتهن مفتضة البكارة أو ثيبا(199)، ومن ضمن الشروط الصارمة أن تكون العروس بكرا.
وأمام هذه الآفات الاجتماعية الخطيرة، التي ينبذها الإسلام ويحرمها، اضطرت بعض العائلات- للحفاظ على الشرف- إلى أن تسارع في تزويج بناتها. حتى قبل بلوغهن، وإذا كانت بعض الأسر الميسورة، قد اشتهرت بالاغتصاب فإن عبيدها تجرأوا على نساء أسيادهم، مما كلفهم قطع أعضائهم التناسلية(200).
وهناك ظاهرة أخرى سيئة، تفشت في وسط نساء وجواري القصر، ذكرها الفقيه أبو البركات، في كتابه ''بشائر السعود'' الذي أهداه إلى السلطان الزياني، أبي عبد الله محمد الثابتي، المتوكل عل الله سنة 883هـ/1478م.
وتتمثل هذه الظاهرة فيما يسمى بعملية المساحقة، وهي مخالطة المرأة للمرأة، وقد أصدر الفقهاء فتوى بتأديبهن دون التمثيل بهن. وفي هذا الصدد يقول أبو البركات: ''وعلى المرأتين معا في المساحقة، الأدب بقدر اجتهاد الإمام، ولا ينتهي بها إلى المثلة بقطع جارحة أو نحوها''(201).
وقد أعيت هذه الظاهرة السلطان المتوكل على الله، لكثرة ذلك الفعل في قصره، وفي هذا الشأن يضيف أبو البركات وأعيانه الأدب والضرب والسجن بأنه يبلهن، بقيد ضيق جدا، لا تكاد المرأة تفتح رجليها به، ففعله بكل ما فعله، عنده من النساء فانقطع ذلك الفعل''(202).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com