الجزائر

الآثار العثمانية في الجزائر



بقلم: عميرة أيسر*
تعتبر فترة الحكم العثماني للجزائر والتي امتدت من سنة 1514م إلى غاية سنة 1830م من أهم الفترات التاريخية التي أسست لمُجتمع ثقافي متمازج حضارياً و عرقياً ولغوياً وساهمت في إثراء فنِّ العمارة الإسلامية في الجزائر وذلك من خلال الصروح العمرانية التي شيَّدها العثمانيون في العديد من المدن الجزائرية وخاصة السَّاحلية منها والتي امتازت بالجمال والروعة في الهندسة والتصميم والاعتماد على فنِّ المنمنمات الإسلامية والجمع بين الفن القوطي وفن الزخرفات الهندسية الدقيقة والتي كانت من إبداع المهندس العثماني سنان الذي بنا أعجوبة آية صوفيا التي لا تزال أحد المعالم السِّياحية والتاريخية والأثرية التي ستبقى شاهدة على فترة حكم العثمانيين وذلك في قلب مدينة اسطنبول التركية فالحضارة الإسلامية العثمانية في الجزائر تركت العديد من الشَّواهد والآثار التاريخية التي تدل عليها والتي تعتبر إيقونات لم يستطع الزمن محوها من الوجود رغم تقلبات المناخ وكل ما تعرضت له الجزائر طوال تاريخها المُمتد بعد الفترة العثمانية من تدمير استعماري فرنسي وحشي للكثير من معالمها التاريخية وذلك في محاولة استعمارية خبيثة من أجل تغيير وجه الجزائر حضارياً ودينياً وهوياتياً.
فالحضارة العثمانية في الجزائر والتي لا تزال حيَّة في وجدان الذاكرة الجمعية للبلاد تركت الكثير من الآثار التي أصبحت مصنفة ضمن التراث العالمي وذلك باعتراف منظمة اليونسكو الأممية كحي القصبة العتيق في العاصمة والذي له أبنية تماثله من حيث الروعة والبهاء والرونق أو من حيث الأهمية الحضارية والتاريخية والأثرية كحي القصبة في مدينة الجسور المعلقة قسنطينة أو الأبنية ذات الزقاقات القصيرة والمتشعبة أو ما يعرف بالدروب وهي جمع مرادف كلمة في مدينة تلمسان عاصمة الزيانيين في أقصى الغرب الجزائري فالقصبة التي تعتبر من أقدم الأبنية الحضارية والأثرية في العاصمة والتي تركت بصمتها في موزاييك فن العمارة الهندسية الجزائرية والتي كانت تضم العديد من القصور والأبنية والمساكن الفخمة حيث وصل عددها خلال الفترة الاستعمارية إلى 1200بناء تمَّ تحويل بعضها كقصر أحمد باي إلى صرح ثقافي جزائري مهم وهو المسرح الوطني عبد القادر علولة بينما تم تحويل دار ضياف كما يطلق عليها والتي في أصحِّ الراويات التاريخية وأقربها إلى المنطق كانت عبارة عن تجمع للأميرات أو أهم نساء الباب العالي المقيمات في الجزائر وطبعاً هن من أصول تركية أو ما يعرفن بالخاتونات وهي جمع مفرد كلمة خاتون في اللغة التركية. إلى معلم سياحي وفني ثقافي استعمل في تصوير الكثير من الأفلام السِّينمائية الجزائرية كمعركة الجزائر وغيرها.
فالآثار العثمانية في الجزائر لا يمكن حصرها لكثرتها وتنوعها وغناها وتوزعها على الكثير من المناطق والمدن الجزائرية التي حكمها الأتراك خلال فترة حكمهم للجزائر فالعديد من هذه الآثار قد تعرض للنهب والسَّرقة أو التخريب و يعرض بعضها في متاحف باريس ومعارضها الفنية الأثرية والتي رفضت السُّلطات الفرنسية إعادتها إلى الجزائر مثل مدفع بابا مرزوق والعديد من القطع الفنية الذهبية والفضية التي لا تقدر بثمن و التي نهبها الغزاة الفرنسيون خلال احتلالهم للعاصمة الجزائرية بالإضافة إلى خيمة ضخمة تتسع لأكثر من 200 فارس كانت تستخدم في الحروب ...الخ ولا ننسى بأن الكثير من هذه الآثار والمعالم الحضارية قد تعرضت للدمار أو لسقوط جزء منها نتيجة الإهمال واللامبالاة حيث سقط حوالي 700 مبنى بحسب الإحصاءات الرسمية في حيِّ القصبة العريق منذ الاستقلال كما أن الترميم العشوائي لها من طرف بعض المواطنين قد أدى إلى تشويه الكثير منها.

فكل هذه الآثار والمعالم التاريخية العثمانية يمكن أن تكون أحد أهم المرتكزات التي تعتمد عليها السِّياحة الجزائرية مستقبلاً أن تمَّ وضع مخطط وطني استعجالي لإعادة ترميمها والاستفادة منها لجلب أكبر عدد ممكن من السّياح الأجانب المتعطشين لرؤية الفن المعماري والآثار العثمانية في الجزائر وللإضاءة كذلك على جوانب تاريخية وثقافية هامة في الموروث الحضاري للبلاد بما يسمح بأن تصبح بلادنا واجهة سياحية و تاريخية مهمة على غرار الكثير من الدول التي استخدمت حتىَّ الآثار المنهوبة من مستعمراتها القديمة من أجل جلب أكثر من 50 مليون سائح لزيارتها سنوياً كفرنسا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)