افتتاح: تحية إلى “كمال قرور"

أسعدني الإطلاع على الحوار الذي زودنا به صديق “الأثر" ميلود حميدة، الذي نشكره كثيرا على هذا التواصل الجميل الذي يجعلنا نسمع صوت المثقف في المدن الداخلية، لعله يرتقي بنا عن الصراعات التافهة والنقاشات الهامشية التي تزيد من تلوث العاصمة الطبيعي تلوثا عقليا وعاطفيا.
صباح اليوم - أمس بالنسبة للقارئ- حملت حقيبتي وقررت الخروج من الجريدة لكي أفكر بعيدا عن مسودات “الأثر" في الموضوع الذي يجب أن أكتب حوله هذا الأسبوع، ووسط القحط الثقافي والفكري الذي نعيشه وجدتني مشدودة نحو فكرة واحدة سيطرت علي، وهي حالة الخيبة السوسيوثقافية التي يشعر بها المواطن الجزائري بشكل عام وتضاعفت مع المحليات الأخيرة. فالمثقف يتحدث ويشعر بأن هناك مافيا ثقافية تحاصره، كما أشار الكاتب خالد ساحلي في حوار “الأثر" أمس، والسياسي الصغير الذي لم يصل إلى الطريق المؤدي إلى “اللعق من القدر الكبير" يخرج إلى الشارع ويقول أن هناك مافيا سياسية قامت بتزوير الانتخابات وحرمته من مركزه الحقيقي، والبطال يشعر بقهر لأن مافيا المال سرقت “دراهمو" وحرمته حتى من نصب “طابلة" على قارعة الطريق..
وأنا أفكر في حالة الإحباط العام هذه ولجت أحد مراكز “سونلغاز" على بعد خطوات من قلب العاصمة النابض “شارع ديدوش مراد" كي أدفع مستحقات الكهرباء، فطلب مني العودة غدا لأن الشبكة معطلة اليوم، كان هذا قرابة الساعة الحادية عشر صباحا؟ واستنتجت بدون حاجة إلى الذكاء، أن وقت الدوام لم يعد كافيا ليقوموا بإصلاح الشبكة اللعينة؟ وأنا أهم بالخروج التقيت بسيدة أعرفها وبعد التحيات الجزائرية المعروفة قالت لي: “الحمد لله الجو اليوم جميل" وأردفت “قالوا المطر يرجع يوم الخميس، إن شاء الله كيما المرة اللي فاتت ما تقتل حتى واحد".. أيقنت في هذه اللحظة أن ما يعيشه الجزائري بات أكبر من الخيبة وأكبر من الإحباط، إنه يشعر بالخوف باللاأمان من كل شيء وفي كل وقت، وأن المافيا التي يتحدث عنها الجميع - كل من وجهة نظره - أصبحت مجرد تفصيلة من تفاصيل وجع عام مرعب..
وسط كل هذا فتحت إحدى الجرائد الوطنية، فإذا بالصديق كمال قرور يطل منها حاملا كتابا، ومفاد الخبر أن الروائي قرور أعلن عن إصدار سلسلة “المواطنة" المشكلة من كتب في مختلف المجالات الأدب، الاقتصاد، المجتمع.. وهي خطوة عملاقة يخطوها هذا المناضل المتمدن في مشروعه الذي أطلقه منذ سنوات ويسير فيه بوتيرة تجعله يستحق التقدير فعلا.. فتحية لكمال قرور على شجاعته في الوقوف في وجه الإحباط والوجع العام.