الجزائر

اعترافات قاتل إقتصادي43



اعترافات قاتل إقتصادي43
اعترافات قاتل إقتصادي كتاب ل”جون بيركنز” العميل السابق لوكالة الامن القومي الاميركية ، يقدّم فيه شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث وإغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل هاليبرتون و بيكتل مواردها بحجة التنمية.يقول بيركنز ان القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون أعلى الأجور، ليبتزوا رؤساء الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها. وكان بيركنز نفسه أحد هؤلاء القتلة،جنّدته (سي آي إيه) سرّاً، وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الاستراتيجية الأميركية.
وكانت مهمّته تتركّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي، يضمّ الحكومات،والشركات في الوقت نفسه العمل على تسكين أعراض وآثار الفقر إجراءات ظاهرية خادعة. وترك الكاتب وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة- الذي كان هو نفسه يوما واحد منهم – من خلال كتابه اعترافات قاتل اقتصادي، وأهداه إلى روحَي رئيسين سابقين، لدولتين من دول امريكا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس، والرئيس الأسبق لبنما عمر تورِّيخوس، وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على حدِّ وصف الكاتب، ذلك “لأنَّهما وقفا في وجه الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة عن طريق نهب ثروات بلدانهم الطبيعية . والذي ذهب هو بنفسه اليهما وحاول ابتزازهما ولكنهما رفضا ، فتعرضا للاغتيال بأسقاط طائراتيهما الرئاسيتان.الكتاب ترجمه الكاتب الاردني بسام ابو غزالة
لديفِد هارِس، المحرّر في مجلة نيويورك تايمز والمؤلف لكتبٍ كثيرة، ملاحظةٌ ممتعة. يقول في كتابه، رميُ القمر:
إن الجنرال مانول أنطونيو نُرييغا، من بين آلاف الحكام، والملوك، والرجال الأقوياء، والطُّغَم، وأمراء الحرب الذين تعاملت معهم الولاياتُ المتحدةُ في كل زاويةٍ من زوايا العالم، هو الوحيدُ الذي لاحقه الأمريكيون هكذا. مرةً واحدةً فقط خلال 225 عاماً من وجودها القومي الرسمي، غزت الولاياتُ المتحدةُ دولة أخرى وحَمَلتْ رئيسها إلى الولايات المتحدة ليُحاكَمَ ويُسجَنَ لإخلاله بالقانون الأمريكي على أرض بلادِ ذلك الحاكم الأجنبية.8
بعد القصف، وجدت الولاياتُ المتحدة نفسها في موقف حساس. فلوهلة، بدا وكأن كل شيء سيرتد عليها. قد تكون إدارةُ بوش أنهت الشائعات عن تردده، لكنها الآن واجهت مشكلة الشرعية بظهورها مظهر الثور الهائج المرتكب عملا إرهابيا. وقد كُشف عن أن الجيش الأمريكيّ منع الصحافة، والصليب الأحمر، ومراقبين خارجيين آخرين من دخول المناطق التي قُصفت قصفاً عنيفا لثلاثة أيام، بينما كان الجنود الأمريكيون يُحرقون القتلى ويدفنونهم. وقد سألتْ الصحافةُ أسئلةً عن كمية الأدلة الجنائية وغيرها من سوء التصرف، وعن عدد الذين ماتوا لأنهم حُرموا من العناية الطبية في الوقت الصحيح. بيد أن هذه الأسئلة لم تجد جوابا.
لن نعرف الكثير من الحقائق حول ذلك الغزو أبدا، ولن نعرف أيضاً مدى تلك المجزرة. وقد زعم وزير الدفاع رِتشرد تشيني أن عدد القتلى هو ما بين خمسمئة وستمئة، لكن جماعات حقوق الإنسان المستقلة قدّرت العدد بثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف، بالإضافة إلى خمسة وعشرين ألفا تُركوا بلا مأوى.9 وقد اعتُقِل نُرييغا، وطُيِّرَ إلى ميامي، وحُكم عليه بالحبس أربعين سنة. وفي ذلك الوقت، كان الوحيد في الولايات المتحدة الذي صُنِّف رسميا أسيرَ حرب.10
لقد غَضِبَ العالمُ لهذا الخرق للقانون الدولي ولتدمير شعب أعزل بدون داعٍ على يد أقوى قوةٍ عسكرية على وجه الأرض؛ لكن قلةً قليلةً فقط في الولايات المتحدة كانت على علم بالغضب أو بالجرائم التي اقترفتها واشنطن. فالتغطية الصحفية كانت قليلة جدا بسبب عدد من العوامل، منها سياسةُ الحكومة، والمكالماتُ الهاتفية من البيت الأبيض للناشرين ومديري محطات التلفزة، وأعضاءُ الكنغرس الذين لم يجرُؤوا على الاعتراض، خشية أن يُصبح عاملُ التردد مشكلة لهم، وأن الصحفيين ظنوا أن الشعب يحتاج إلى أبطال لا إلى موضوعية.
كان هناك استثناء، هو بيتر آيزْنَر، المحرر في نيوزداي، والمراسل لدى الأسوشييتد برس، الذي غطى غزو بنما واستمرّ لسنوات في تحليله. في مذكرات مانول نُرييغا: أسير أمريكا، المنشورة عام 1997، كتب آيزنر يقول:
كان القتل، والتدمير والظلمُ المُرتكب باسم محاربة نُرييغا – والأكاذيبُ حول هذا الحدث – تهديداً لأبسط مبادئ الديمقراطية الأمريكية. ... أُمِر الجنودُ أنْ يرتكبوا القتلَ في بنما، ففعلوا ذلك حين قيل لهم إن عليهم أنْ يُخلِّصوا بلداً من قبضة مستبدٍّ متوحشٍ فاسق. وحين فعلوا ما فعلوا، كان الناسُ في بلادهم (الولايات المتحدة) يمشون من ورائهم قدماً على قدم.11
وبعد بحث مطوّل، بما في ذلك مقابلات مع نُرييغا في زنزانة حبسه في ميامي، كتب آيزنر يقول:
في النقاط الرئيسية، لا أظن أن الدليل يُثبتُ أنّ نُرييغا مذنبٌ أمام الاتهامات الموجَّهة له. ولا أعتقد أنّ أعماله كقائد عسكريٍّ أجنبيٍّ أو كرئيس دولة ذات سيادةٍ تُبرر غزو بنما أو أنها تُمثل تهديداً لأمن الولايات المتحدة القومي.12
ويخرج آيزنر بالنتيجة التالية:
إن تحليلي للوضع السياسي وتقاريري [الصحفية] عن بنما قبل الغزو، وفي أثنائه، وبعده جعلتني أستنتج أن غزو الولايات المتحدة لبنما كان سوء استخدام بغيضاً للقوة. وقد خدم هذا الغزوُ أهداف السياسيين الأمريكيين وحلفائهم البنميين، على حساب دم مسفوكٍ بلا ضمير.13
أعيدت إلى حكم بنما أسرة آرياس، وهي القلة الحاكمة قبل توريجُس، والتي كانت ألعوبةً بيد الولايات المتحدة منذ اقتُطعت بنما من كولُمبيا حتى استلم توريجُس الحكم. أما معاهدةُ القناة الجديدة، فأصبحت موضع نقاش. وجوهر المسألة أن واشنطن عادت مرة أخرى لتسيطر على ذلك الممر المائي، بالرغم مما تقوله الوثائق الرسمية.
تأملتُ تلك الأحداث وكلّ ما خبرتُه في أثناء عملي مع شركة مين، فوجدتُني أسألُ الأسئلةَ ذاتها مرةً بعد أخرى: كم من القرارات – ومنها قراراتٌ ذات أهميةٍ تاريخية تؤثّرُ في ملايين الناس – يأخذُها رجالٌ ونساءٌ تحفزهم دوافعُ شخصيةٌ لا رغبةٌ في عمل الشيء الصحيح؟ كم من مسؤولي حكومتنا الأعلين يحفزهم الجشعُ الشخصيُّ بدل الولاء الوطني؟ كم من الحروب تُخاض لأن رئيساً ما لا يريد أن يعتبره منتخِبوه مترددا؟
بالرغم من وعودي لرئيس شركة ستون آند وبستر، كانت خيبةُ أملي وشعوري بالعجز بسبب غزو بنما تحثُّني على العودة إلى العمل على كتابي، باستثناء أنني الآن قررتُ أنْ أُركِّز على توريجُس. فقد وجدتُ في قصته وسيلةً لكشف الكثير من المظالم التي تُفسد عالمنا، وبها أتخلص من شعوري بالذنب. بيد أنني في هذه المرة قررتُ السكوت عما أفعل بدل طلب النصح من أصدقائي وزملائي.
وإذ شرعت في العمل على الكتاب، أذهلني مقدارُ ما حققناه نحن القتلةَ الاقتصاديين في أماكن كثيرة. حاولتُ التركيز على دول قليلة بارزة، لكنّ لائحة الأماكن حيث كنتُ أعمل، والتي أصبحت أسوأ بعد ذلك، كانت مذهلة. كذلك ارتعبتُ من مدى فسادي أنا. لقد قمتُ بالكثير من مراقبة النفس، لكنْ تبيّن لي أنني في لجة العمل كنتُ أركز على أنشطتي اليومية إلى حدٍّ لا أرى فيه المنظور الأوسع. لذلك، حين كنتُ في إندونيسيا، كنتُ أغتاظُ من أشياء أناقشها مع هِوَرد باركر، أو من مواضيع يثيرها الشبابُ الإندونيسيون أصدقاءُ راسي. وحين كنتُ أعمل في بنما، تأثرتُ في أعماقي من دلالات ما كنت أرى حين عرّفني فِدِل على أحياء الفقراء الرثة، ومنطقة القناة، والملهى. وفي إيران، أزعجتني مناقشاتي مع يامين و(دك). والآن، أعطتني كتابةُ هذا الكتاب نظرة شاملة. أدركتُ كم سهلا كان ألا أرى الصورة الكبرى وأن أفتقد بذلك الدلالة الصحيحة لأعمالي.
ما أسهلَ هذا وما أوضحَه. مع ذلك، ما أخبثَ طبيعةَ هذه التجارب. بالنسبة إليّ، إنها تستحضرُ لي صورةَ جنديّ. في البداية يكون ساذجا. قد يسأل عن أخلاقية قتل الآخرين؛ لكنّ عليه في الأغلب أنْ يتعاملَ مع خوفه، ويُركزَ على بقائه حيا. وبعد أنْ يقتل أول أعدائه تستولي عليه العواطف. قد يتساءل عن أسرة القتيل فيشعر بالندم. لكنه بمرور الوقت، وبمشاركته في معاركَ أكثر، وبقتله مزيدا من الناس، يتحجّر قلبه، فيتحوّل إلى جنديٍّ محترف.
أصبحتُ أنا جنديا محترفا. والاعتراف بهذه الحقيقة فتح الباب لفهم أفضل للعملية التي تُرتكب بموجبها الجرائمُ وتُبنى الإمبراطوريات. أصبحتُ الآن أفهم لماذا ارتَكبتْ الكثرةُ من الناس الفظائع – كيف، على سبيل المثال، استطاع إيرانيون طيبون، يُحبُّون أُسرهم، أن يعملوا في صفوفِ شرطة الشاه السرية المتوحشة؛ وكيف استطاع ألمانٌ طيبون أن يخضعوا لأوامر هتلر، وكيف استطاع رجال ونساء أمريكيون طيبون أن يقصفوا مدينة بنما.
لم أتقاض، كقاتل اقتصادي، فلساً واحداً بشكل مباشر من وكالة الأمن القومي أو من أية وكالةٍ حكومية أخرى؛ فقد كانت شركة مين هي التي تدفع راتبي. كنت مواطنا يعمل في القطاع الخاص، وتستخدمه شركة خاصة. وقد ساعدني فهمُ هذا الأمر في أنْ أرى بوضوحٍ أكبرَ الدورَ الناشئ لمديرٍ تنفيذيٍّ لدى شركةٍ في ثوب قاتلٍ اقتصادي. إنه صنف جديد تماما من الجنود يظهر على مسرح العالم. كتبتُ ما يلي:
اليوم يذهب رجال ونساء إلى تايلند، والفلبين، وبُتسوانا، وبوليفيا، وإلى كل دولة أخرى، حيث يأملون في العثور على أناس في أشد الحاجة إلى العمل. يذهبون إلى تلك البقاع وغايتهم الصريحة استغلالُ أناسٍ مساكين – أناسٍ يُعاني أطفالهم من نقص حاد في التغذية، بل من المجاعة، أناسٍ يعيشون في مدن الصفيح وقد فقدوا كل أمل في حياة أفضل، أناسٍ كَفُّوا حتى عن أنْ يحلموا بيوم آخر. أما هؤلاء الرجال والنساء فلهم مكاتبهم الفخمة في منهاتن أو سان فرانسسكو أو شيكاغو، ويعبرون القارات والمحيطات في طائرات نفاثة مترفة، وينزلون في فنادق الدرجة الأولى، ويتناولون وجباتهم في أفخم مطاعم البلد. ثم بعد ذلك يذهبون للبحث عن اليائسين.
لا يزال لدينا اليوم نخّاسون. وهؤلاء لم يعودوا يجدون ضرورةً في الذهاب إلى غابات أفريقيا للبحث عن عيناتٍ ممتازةٍ تُدفع فيها أعلى الدولارات في مواقع المزاد في شارلستُن، وقرطاجنة، وهافانا. فهم ببساطة يُوظفون الناس اليائسين، ويبنون مصنعاً لإنتاج المعاطف والجينز الأزرق وأحذية التنس وقطع غيار السيارات ومكونات الحاسوب وآلافا من بنود أخرى يستطيعون بيعها في الأسواق التي يختارون. أو قد يختارون حتى ألا يمتلكوا المصنع بأنفسهم، بل يستخدمون رجل أعمال محليا ليقوم بالعمل القذر بدلا منهم.
هؤلاء الرجال والنساء يرون سلوكهم مستقيما. يعودون إلى بيوتهم يحملون صورا لمواقع غريبة وآثار قديمة ليراها أطفالهم. يحضرون منتدياتِ الدراسةِ حيث يُربِّتون على ظهور بعضهم بعضا، ويتبادلون الأنباء السارة للتعامل مع تصرفات الجمارك الغريبة في البلاد القصية. ويستخدم رؤساؤهم المحامين الذين يؤكدون لهم أن ما يفعلونه شرعيٌّ تماما. وتحت تصرفهم إطار من معالجين نفسانيين وخبراء آخرين في الموارد البشرية لإقناعهم بأنهم إنما يساعدون أولئك اليائسين.
كان النخّاسُ ذو النمط القديم يقول لنفسه إنه يتعامل مع صنف ليس بشرا سويا، ويمنحه فرصةَ أن يتنصّر. وكان يُدرك أيضاً أن العبيد مُهمون لبقاء مجتمعه، وأنهم أساس اقتصاده. أما النخّاسُ الحديث، فيؤكد لنفسه (أو نفسها) أنه أفضل لليائسين أن يكسبوا دولارا واحدا في اليوم من ألا يكسبوا شيئا، وأنهم يُمنحون فرصة الاندماج في المجتمع العالمي الأكبر. وهو يُدرك أيضاً أن هؤلاء اليائسين مهمُّون لبقاء شركته، وأنهم أساس أسلوب حياته. ولا يتوقف ليفكر بالدلالات الكبرى لما يفعله هو للعالم، وأسلوب حياته، والنظام الاقتصاديّ وراءها – أو للأثر الذي قد يتركه على مستقبل أطفاله.
.. يتبع

8 Harris, op. cit., p 6.
9 www.famoustexans.com/georgebush.htm, p 3.
10 Harris, op. cit., p 4.
11 Noriega with Eisner, op. cit., p 212; See also Craig Unger, “Saving the Saudis”, Vanity Fair, October 2003, p 165.
11 Noriega with Eisner, op. cit., p 114.
11 See www.famoustexans.com/georgebush.htm, p 2.
11 Noriega with Eisner, op. cit., p 248.
12 Ibid, p 211.
13 Ibid, p xxi.

إن الجنرال مانول أنطونيو نُرييغا، من بين آلاف الحكام، والملوك، والرجال الأقوياء، والطُّغَم، وأمراء الحرب الذين تعاملت معهم الولاياتُ المتحدةُ في كل زاويةٍ من زوايا العالم، هو الوحيدُ الذي لاحقه الأمريكيون هكذا. مرةً واحدةً فقط خلال 225 عاماً من وجودها القومي الرسمي، غزت الولاياتُ المتحدةُ دولة أخرى وحَمَلتْ رئيسها إلى الولايات المتحدة ليُحاكَمَ ويُسجَنَ لإخلاله بالقانون الأمريكي على أرض بلادِ ذلك الحاكم الأجنبية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)