الجزائر

اعترافات قاتل إقتصادي 47



اعترافات قاتل إقتصادي 47
اعترافات قاتل إقتصادي كتاب ل”جون بيركنز” العميل السابق لوكالة الامن القومي الاميركية ، يقدّم فيه شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث وإغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل هاليبرتون و بيكتل مواردها بحجة التنمية.يقول بيركنز ان القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون أعلى الأجور، ليبتزوا رؤساء الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها. وكان بيركنز نفسه أحد هؤلاء القتلة،جنّدته (سي آي إيه) سرّاً، وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الاستراتيجية الأميركية.
وكانت مهمّته تتركّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي، يضمّ الحكومات،والشركات في الوقت نفسه العمل على تسكين أعراض وآثار الفقر إجراءات ظاهرية خادعة. وترك الكاتب وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة- الذي كان هو نفسه يوما واحد منهم – من خلال كتابه اعترافات قاتل اقتصادي، وأهداه إلى روحَي رئيسين سابقين، لدولتين من دول امريكا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس، والرئيس الأسبق لبنما عمر تورِّيخوس، وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على حدِّ وصف الكاتب، ذلك “لأنَّهما وقفا في وجه الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة عن طريق نهب ثروات بلدانهم الطبيعية . والذي ذهب هو بنفسه اليهما وحاول ابتزازهما ولكنهما رفضا ، فتعرضا للاغتيال بأسقاط طائراتيهما الرئاسيتان.الكتاب ترجمه الكاتب الاردني بسام ابو غزالة
استدرتُ حول كتلة الأبنية إلى شارع باين. هناك قابلني وجهاً لوجهٍ المقرُّ الرئيسيُّ لبنك تشيز، الذي كان ديفد رُكفِلَر قد بناه، وهو مصرِفٌ مملوءٌ بمال النفط الذي حصده رجالٌ من أمثالي. هذا المصرِفُ، وهو مؤسسة خدمت القتلة الاقتصاديين وكانت بارعة في تعزيز الإمبراطورية العالمية، كان في مناحي كثيرة رمزاً لسلطة الشركات.
تذكّرتُ أنني قرأتُ أنّ مركز التجارة العالمي كان مشروعاً بدأه ديفد رُكفِلَر عام 1960، وأنّ هذا المجمع يُنظر إليه في السنين الأخيرة كطائر القَطرس. كانت له سمعة في أنه غير مناسب ماليا، ولا يلائم تقانة الخيوط الضوئية والشبكة العنكبوتية الحديثة، ومُثقَلٌ بنظام مصاعدَ مكلفٍٍ وغيرِ فعال. وقد أُطلق على هذين البرجين لقب ديفد ونِلسن، فاختفى الآن اسم القَطرس.
مضيتُ أمشي متثاقلا مترددا. وبالرغم من دفء ما بعد الظهيرة، شعرت بقشعريرة، وتبين لي أن قلقاً غريباً، نذير شؤم، قد استولى عليّ. لم أستطع تبيُّنَ مصدره، فحاولتُ الخلاص منه بالإسراع في خطوي. وفي النهاية وجدتُني مرة أخرى أنظر إلى ذلك الثقب المتفحم، والمعدن الملتوي، إلى تلك الندبة الضخمة في الأرض. اتكأتُ على مبني نجا من التدمير وحدقتُ إلى تلك الحفرة. حاولت أنْ أتصوّر الناس مندفعين خارج البرج المنهار ورجال الإطفاء مندفعين داخله لمساعدتهم. حاولت أن أفكر بالناس الذين قفزوا، وباليأس الذي استولى عليهم. لكنني ما استطعت.
بدل ذلك، رأيتُ أسامة بن لادن يأخذُ مالا وسلاحا قيمته ملايينُ الدولارات من موظفٍ لدى شركة استشارات متعاقدة مع حكومة الولايات المتحدة. ثم وجدتُني أجلس أمام حاسوب ذي شاشة خالية.
بعيدا عن “الطبقة صفر”، نظرتُ من حولي إلى شوارع نيويورك التي لم تصلها النار وقد عادت إلى طبيعتها الآن. كنت أتساءل ما يمكن أن يفكر فيه الناس الذين يمشون في الشوارع اليوم بالنسبة إلى كل هذا – لا أعني تدمير البرجين فقط، بل أيضاً مزارع الرمان المدمرة والأربعة والعشرين ألفا الذين يموتون جوعا كل يوم. تساءلتُ إنْ هم فكروا بهذه الأشياء ولو قليلا، إنْ استطاعوا أن يسلخوا أنفسهم بعيدا عن وظائفهم وسياراتهم المسرفة في استهلاك البنزين، وعن دفعات فوائدهم، لمدة كافية لكي ينظروا في ما يقدمونه للعالم الذي يطأُونه ويورثونه لأطفالهم. تساءلتُ ما الذي يعرفونه عن أفغانستان – لا أعني أفغانستان التي تُبَثُّ على التلفاز، تلك المملوءة بالدبابات والخيام العسكرية الأمريكية، بل أفغانستان ذلك الرجلِ العجوز. تساءلتُ ما الذي يُفكر فيه هؤلاء الأربعة والعشرون ألفاً الذين يموتون كل يوم.
مرةً أخرى وجدتُني أجلس أمام حاسوب ذي شاشة خالية.
أعدتُ تركيزَ انتباهي على “الطبقة صفر”. شيءٌ واحدٌ كان مؤكدا في تلك اللحظة: كان بلدي يُفكر بالثأر، وكان يُركِّز على دول كأفغانستان. لكنني فكرت في جميع الأماكن في العالم حيث يكره الناس شركاتنا، وجيوشنا، وسياساتنا، ومسيرتنا نحو الإمبراطورية.
تساءلتُ، ماذا عن بنما، والإكوادور، وإندونيسيا، وإيران، وغواتيمالا، ومعظم أفريقيا؟
دفعتُ نفسي بعيداً عن الحائط الذي كنتُ أستند إليه ومشيت. كان رجلٌ قصيرٌ، داكنُ اللون يُلوِّحُ بجريدة في الهواء وينادي بالإسبانية. فتوقفت.
كان يصيح بأعلى من ضجيج السيارات، وصوت المزامير، وقعقعة الناس: “فنزوِلا على حافة الثورة!”
اشتريتُ الجريدةَ منه ووقفتُ برهةً أُمرِّرُ عيني بسرعةٍ على المقال الرئيسي. كان عن هوغو تشافيز، الرئيس المنتخب ديمقراطيا والمعادي للولايات المتحدة، وعن تيارات الكره السفلية التي تُولِّدُها سياسات الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية.
فماذا من أمر فنزولا؟

الفصلُ الثالثُ والثلاثون
فنزويلا: إنقاذ صدّام لها
راقبتُ فنزويلا لسنين عديدة. كانت مثلا لبلادٍ نهضت بسبب النفط من الفقر إلى الغنى. وكانت أيضا نموذجاً للاضطراب الذي تستثيره ثروة النفط، ولفقدان التوازن بين الأغنياء والفقراء، ولبلاد تستغلُّها سلطةُ الشركات استغلالا مُخجلا. وقد غدت مثالا لمكان التقى فيه أسلوبُ القتلِ الاقتصاديِّ القديمُ بالأسلوب الجديد الذي ابتدعته رؤية الشركات.
أما الأحداثُ التي قرأتُ عنها في الجريدة ذلك اليوم في “الطبقة صفر”، فقد كانت نتيجةً مباشرةً لانتخابات 1998، حين انتخب الفقراءُ والمحرومون في فنزويلا هوغو تشافيز رئيساً لهم انتخابا كاسحا.1 وقد قام تشافيز فوراً بإجراءاتٍ حادّةٍ، فسيطر على المحاكم والمؤسسات الأخرى، وحلّ مجلس النواب الفنزويليّ. كذلك شجب الولايات المتحدة ل”إمبرياليتها الوقحة”، وهاجم العولمة بقوة، وسنّ قانونا للهيدروكربون يُذكرنا، حتى في اسمه، بالقانون الذي كان جيم رُلْدُس في الإكوادور قد سنّه قبل سقوط طائرته بوقت قصير. وقد ضاعف ذلك القانونُ ضريبة الامتياز على شركات النفط الأجنبية. بعد ذلك تحدى تشافيز الاستقلالَ التقليديَّ لشركة النفط المملوكة للدولة، شركة نفط فنزويلا،* بإحلال موالين له محل مدرائها الكبار.2
النفط الفنزويلي مهمٌّ لاقتصاد العالم كله. ففي عام 2002، كانت فنزويلا رابعَ أكبر مصدري النفط وثالثَ أكبر مزوِّديه للولايات المتحدة.3 وتشكل شركة نفط فنزويلا، بموظفيها الأربعين ألفاً ومبيعاتها البالغة 50 مليار دولار في السنة، 80 في المئة من عائدات التصدير في البلاد. فهي أهمُّ أعمدة اقتصاد فنزويلا.4 وبسيطرته على هذه الصناعة، جعل تشافيز نفسه لاعباً رئيسيا في العالم.
كان كثيرون من الفنزويليين يرون في هذا قَدَرا مُقدَّرا، وإكمالا لعملية بدأتْ قبل ثمانين عاما. ففي كانون الأول، 1922، تدفق في الهواء من الأرض انفجارٌ نفطيٌ ضخمٌ بالقرب من ماراكيبو استمرّ ثلاثة أيام بمعدل مئة ألف برميل من النفط الخام في اليوم، فغيّر هذا الحدثُ الجيولوجي وحده فنزويلا إلى الأبد. وبحلول عام 1930، كان البلد أكبر مُصدِّر للنفط في العالم. وقد اعتبر الفنزويليون النفط حلا لجميع مشاكلهم.
خلال الأربعين عاما التالية، مكّنتْ عائداتُ النفط فنزويلا من التحوِّل من أكثر دول العالم فقراً إلى إحدى أغناها في أمريكا اللاتينية. وقد تحسنت جميع الإحصاءات الحيوية في البلاد: العناية الصحية، والتعليم، وفرص العمل، وطول العمر، ومعدلات بقاء الأطفال على قيد الحياة. وكذلك ازدهرت الأعمالُ.
خلال حظر تصدير النفط عام 1973، صعدتْ أسعارُ النفط إلى عَنان السماء، فتضاعفت الميزانية الوطنية لفنزويلا أربعة أضعاف. مضى القتلةُ الاقتصاديون إلى عملهم، وقامت المصارفُ الدولية بإغراق البلاد بقروض غطت مشاريع البنية التحتية والصناعية وكلفة أعلى ناطحات سحاب في القارة. بعد ذلك، في ثمانينات القرن العشرين، وصل القتلةُ الاقتصاديون الذين يعملون بأسلوب الشركات، فكانت فرصةً مثاليةً لهم لقلع أسنانهم الحليبية. أصبحت الطبقةُ الوسطى الفنزويلية ذات حجم معتبر، وأوجدت سوقاً ناضجةً لطيفٍ واسعٍ من المنتجات، ومع ذلك كان لا يزالُ هناك قطاعٌ كبير من الفقراء الجاهزين للعمل الكادح في المصانع.
بعد ذلك انهارت أسعارُ النفط، ولم تعد فنزويلا قادرةً على سداد ديونها. وفي عام 1989، فرض صندوقُ النقد الدولي إجراءاتٍ تقشفيةً قاسية وضغط على كراكاس لدعم سلطة الشركات بوسائلَ أخرى عديدة. فكانت ردةُ فعلِ الفنزويليين عنيفةً؛ وقُتل في أعمال الشغب أكثرُ من مئتي نسمة. وتحطمت صورة النفط كموردٍ لا قعر له. وما بين عامي 1978 و2003، انهار معدلُ دخل الفرد أربعين في المئة.5
بازدياد الفقر اشتدّ الاستياء، ونتج عن ذلك استقطابٌ جعل الطبقةَ الوسطى تُعادي الفقيرة. وكما يحدث غالباً في الدول المعتمدة على إنتاج النفط، وقع انزياح بشري جذري. وإذ مَكَسَ الاقتصادُ الهابطُ الطبقةَ الوسطى، انزلقت الكثرة منها إلى صفوف الفقراء.
هذه التركيبةُ البشريةُ الجديدةُ هيَّئتْ المسرح لتشافيز – وللنزاع مع واشنطن. وإذ تولى السلطةَ الرئيسُ الجديدُ، قام بإجراءاتٍ تحدّت إدارة بوش. وقبيل ضربات 11 أيلول، كانت واشنطن تدرس خياراتها: لقد فشل القتلة الاقتصاديون؛ فهل آن الأوان لإرسال بنات آوى؟
بعد ذلك غيّرت أحداث 11 أيلول جميع الأولويات. فقد ركز الرئيس بوش ومستشاروه على حشد المجتمع الدوليّ لدعم أعمال الولايات المتحدة في أفغانستان وفي غزو العراق. فوق ذلك، كان الاقتصادُ الأمريكيُّ عالقا في لُجّةِ ركودٍ اقتصادي. فأُجِّلت فنزويلا إلى وقت لاحق. بيد أنه كان واضحاً أن بوش وتشافيز كادا أحيانا يتضاربان. لكن واشنطن، بوجود تهديد للنفط العراقيِّ والمشرقيِّ، لا تتحمّلُ أنْ تتجاهل فنزويلا لوقت طويل.
.. يتبع

* Petroleos de Venezuela
1 “Venezuela on the Brink,” editorial, New York Times, Decemvber 18, 2002.
2 The Revolution Will Not Be Televised, directed by Kim Bartly and Donnacha O'Brian (in association with the Irish Film Board, 2003). See www.chavezthefilm.com.
3 “Venezuelan President Forced to Resign,” Associated Press, April 12, 2002.
4 Simon Romero, “Tenuous Truce in Venezuela for the State and its Oil Company,” New York Times, April 24, 2002.
5 Bob Edwards, “What Went Wrong with the Oil Dream in Venezuela,” National Public Radio, Morning Edition, July 8, 2003.

خلال حظر تصدير النفط عام 1973، صعدتْ أسعارُ النفط إلى عَنان السماء، فتضاعفت الميزانية الوطنية لفنزويلا أربعة أضعاف. مضى القتلةُ الاقتصاديون إلى عملهم، وقامت المصارفُ الدولية بإغراق البلاد بقروض غطت مشاريع البنية التحتية والصناعية وكلفة أعلى ناطحات سحاب في القارة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)