الجزائر

اشكاليةالجدل بين الشعر والرواية ... إلى أين ؟



اشكاليةالجدل بين الشعر والرواية ... إلى أين ؟
يقول «بول فاليري»: «ليس الذئب سوى مجموعة من الخراف المهضومة».
والناقد، والشاعر، والروائي، والمسرحي، واللغوي، والمؤرخ ليسوا سوى مجموعة من الكتب المقروءة! لا بد من القراءة للكتابة. ولكن أية قراءة؟ إنها القراءة المبدعة غير الاجترارية.وأية كتابة؟ أيضاً هي الكتابة المبتكرة المبدعة. كتابة الابتكار، لا كتابة الاجترار. ورُبَّ كتاب، أو مقالة نقدية، أو قصيدة، أو قول مأثور، أو حكمة سائرة، أو عنوان عابر، يثير في الشاعر أو الكاتب أو الناقد... كوامنَ الإبداع في أعماقه فتتفجر قصيدته، أو روايته، أو تطبيقه النقدي، وهو بهذا يستند إلى مخزون سابق من التفكير والتأمل، فتكون القراءة شرارة تنفخ النار في جمر الإبداع. والقارئ المتابع و المبدع أيضاً يعرف أن هذا الكاتب مبتكر وليس نسخة مكرورة «مكررة» من أوراق مقروءة.
ولكن ما يحدث اليوم في طرح اشكالية القراءة الإبداعية ، هو القراءة بين الرواية والشعر وهما كما قال صديقي الروائي شرف الدين شكري في حواره الخاص معي :
"لا أعتقد بأن هناك صراع بين أي نوع أو شكل أدبي إلاّ في ذهن واهني الثقافة. النصوص تكمّل بعضها بعض مهما اختلَفَت. ووحدهُ النص الأدبي –حمّال الأوجه-ابإمكانه أن يزاوج فيما بينها في عرسٍ يتِمُّ فيه استدعاء (الشكل) كنوع من المحطّة التي تختارها الروح وتتموضع بداخلها كي يولد النصّ متكاملا بدرجات."
وفي أوربا وفي أوائل القرن التاسع عشر الذي هو قرن التطور الصناعي والتكنولوجي حاول الكثير من رواد مبدأ المنفعة ومعهم أصحاب العلوم التطبيقية أن يوجهوا العامة بأن عصر الشعر قد انتهى لأن تهويماته لاتقدم في زمن اللغة الصناعية شيئا، وقد دافع الشعراء الرومانسيون آنذاك عن دولتهم الشعرية بتفان، فقال (وردزورث): أن الشعر هو روح المعرفة الشفيفة والتعبير العاطفي المرسم على وجه كل العلوم وقال (شلي) : (إن الشعر شيء إلهي، إنه مركز المعرفة ومحيطها، إنه ذاك الذي يشتمل على العلم كله، والذي يرد إليه كل العلم، إنه في الوقت ذاته جذر الفكر وبرعمه)، وقد بلغت المواجهة ذروتها منتصف القرن بين العالم التطوري توماس هكسلي وبين الشاعر (ماثيو أرنولد).
واستمرت المواجهة خلال القرن العشرين الميلادي الذي شهد أهم معركة في هذا الصدد بين العالم الانجليزي (س.ب - سنو) ، والناقد الأدبي (ف. ر ليفز )، وقد اتخذ دفاع ليفز خطاً تصاعدياً إلى أن وصل إلى أوج ردوده العنيفة في كتابه (لن أضع سيفي)، دفاعاً عن دولة الأدب في عصر التكنولوجيا.
وفي يومنا هذا يوجد الكثير من مروجي فكرة الصراع بين أنواع النصوص الأدبية القائلة إن خانة الصدارة لاتتسع إلا لنوع أدبي واحد، قد يكون الشعر، وقد يكون الرواية، وقد يكون غيرهما يحاولون علمنة هذا الرأي بتبريرات تمايزية بين هذه الأنواع، من ذلك أنهم يرون أن الرواية استطاعت أن تحد من انتشار وصدارة الشعر لكونها تتصف (بحيوية الاستجابة)، وهي لذلك لا تتعرض للانكسارات أو الإحباطات التي يتعرض لها الشعر، وبذلك فهي قادرة على امتصاص النكسة واستيعابها، يساعدها في ذلك أنها عمل بطيء لايخضع للخطة النفسية كما هو الشأن بالنسبة للشاعر، وآنذاك فعند الصدمة يكتب الشاعر قصيدته كلها، لكن الروائي لايستطيع أن يكتب روايته كلها، بل يضع لها البداية والانطلاق، ومن ثم فإن الشعر محكوم بأحاسيس وأجواء وانهيارات الصدمة، لكن الراوي قد يحكم بذلك في بداية عمله، لكنه بعد ذلك بشهر أو عام سيكتب فصلاً آخر بعيداً عن ظلال الصدمة.
وما يعانيه قارئ اليوم هو سؤال المفاضلة بين الأجناس الأدبية وبالذات بين الشعر والرواية ، أليس من الأحسن ككتاب أن ندع القارئ يختار ما يفضله ؟
هناك اشكالية العمل التجاري لدى دور النشر ، وهذا يلعب دورا في إعاقة القراءة وعملية التواصل بين المؤلف والقارئ ، صار الناشر يمارس ضغوطات على القارئ في اختيار المسار الذي لا ينتهجه ، كما يمارس ضغوطاته على المؤلف ليؤمن هذا الأخير أنه هناك صراع بين الشعر والرواية .
سألني الشاعر سليمان جوادي يوما منذ ما يقارب الثلاث السنوات ، لما ذا يهرب شعراء اليوم إلى الرواية ؟
فهل الشعراء وحدهم هم الذين ينعطفون ؟ حتى لا اقول يغادرون، لأنهم لم يغادروا الشعر، وان كتبوا الرواية من كتابة الشعر الى كتابة السرد عموما، والى كتابة الرواية خصوصا، وان وجد في القليل من الشعر الكثير من السرد. وفي القليل من السرد الكثير من الشعر.
ولهذا الانعطاف العديد من التمظهرات الاخرى المتنوعة بين كتابة الرواية والانشغال بمجموعة من الاهتمامات الأساسية لدى هذا الكاتب او ذاك: التاريخ، الفلسفة، النقد، التشكيل، الخطاب الثقافي، القانون، الاقتصاد، الاعلام، التربية، الحلاقة، الزجل.. دون ان نلزم انفسنا هنا، بذكر الاسماء، هاته التي تنشغل اساسا بالتأليف داخل احد هذه المجالات او اكثر، وذلك بموازاة مع حدوث انعطاف (جديد) لديها نحو كتابة الرواية، والسيرة الذاتية، فقد اضحت الاسماء، الآن، معروفة ومتداولة، حتى على مستوى العالم العربي.
زعم آخر يطرح نفسه، في مثل هذه الحالة، داخل نفس المشهد الادبي، ويتعلق الامر، هنا، بما ذهب البعض اليه في قولهم بأن الشعراء يتفوقون في كتابة الرواية، بخلاف الروائيين حين يكتبون الشعر. وفي اعتقادي ان هذا الامر يبقى رهينا بالزمن، وبالتراكم. أما ان نحكم على تجارب روائية لشعراء امدتنا، في عمومها الى حد الآن، بنص مفرد، فذلك مقياس ابداعي نسبي، ولا يمكن اعتماده في الانتصار ل «الشعراء الروائيين» لأجل اخراج «الروائيين الشعراء» من قطار الشعر، هذا الذي يتسابق الى ركوبه كل من احس بنزلة برد، او كل من استسهل الحياة.. فاستسهل ارتعاشة الشعر. غير انه من خلال قراءتنا لرواية مغربية من قبيل «جنوب الروح» مثلا، وهي للشاعر محمد الاشعري انعطف نحو كتابة السرد حتى لا نقول الرواية فقط، حيث سبقت كتابة القصة عنده الرواية يمكننا آنذاك ان نختلي بأنفسنا، لكي نتفاءل على طريقتنا الخاصة، بما سيأتي من نصوص روائية لشعراء آخرين، يبقى الكثير منهم، الآن في امس الحاجة، الى الاهتمام ببناء صورهم الشعرية وتطوير لغتهم الابداعية، قبل ان يفكروا في الانعطاف نحو كتابة الرواية، اي نحو ركوب مغامرة محفوفة، بدورها، بالكثير من الصعوبات والتعقيد، وذلك فقط لمجرد ان الرواية، الآن بما لها وما عليها هي التي تملأ الدنيا وتشغل الناس،
نفس الامر يمكن قوله بالنسبة للامسيات الشعرية المقامة هنا او هناك، بمناسبة او بدونها، والتي عادة ما يعتد ب «عددها» لأجل قياس درجة الحضور (والهيمنة) لهذا الجنس الادبي (الشعر) على غيره، داخل المشهد الادبي او داخل غيره، بحيث تصبح هذه الامسيات احيانا مجرد حدث عابر، لا يمكن ان نتبناه كليا، هو ايضا، لاجل قياس ايقاع حضور هذا الجنس الادبي او غيره في هذه الساحة الابداعية او تلك.
أعتقد أن مسألة الصراع بين الشعر والرواية، هي كذبة تاريخية من الدرجة الأولى تطيح بقيمة كلا الجنسين ، لذا ككاتب وشاعر وقبلهما قارئ أرجو من المثقف والناقد رؤية هذه المسألة ومعالجتها.
رفيق جلول


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)