الأسماء الأدبية المستعارة ظاهرة اجتماعية أدبية قديمة متجددة،عرفت مند العصور الأدبية الأولى،حيث كان الشاعر يتخفى وراء اسم مستعار يستعمله ليخفي هوية شخصيته الحقيقية.ولعل أقدم ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي كان لشاعر يحمل اسما مستعارا ألا وهو "المهلهل"،ثم تواردت الأسماء المستعارة للشعراء ومنهم: النابغة والخنساء والفرزدق والحُطيئة وغيرهم حيث تحوَّلت هذه الأسماء إلى أسماء شهرة عُرفوا بها عبر العصور الأدبية.علينا أن نذكر بداية بأن الأسماء الأدبية والفنية أنواع مختلفة،تتحكم في تنوعها دوافع أو أسباب هذه التسميات ويمكن أن نذكر منها:01- أسماء مستعارة لحقت بأصحابها نتيجة حادثة عايشها صاحب الاسم أو صفة خُلقية أو خِلقية لحقت به.لذا يطلق على الشاعرة "تماضر بنت عمر السلمية اسم "الخنساء"(والخَنس عيب خِلقي في أنف الإنسان) ويطلق على امرئ القيس اسم "أبو القروح" نظرا لما لحق به من مرض جلدي في الحادثة المشهورة،كما يطلق على "أبي الطيب أحمد الكندي" اسم "المتنبي"(لادعائه النبوة).وغالبا ما تلحق هذه الأسماء بأصحابها على كرههم لها.02- نوع آخر من الأسماء يلحق بالشعراء والكتاب بهدف المدح وزيادة الشهرة أو إعلاء المكانة الأدبية،مثل قولهم: شاعر النيل،أمير الشعراء،أمير البيان،والأخطل الصغير إلخ.03-هناك من الأدباء من يختار لنفسه اسما مستعارا ليختفي وراءه لأسباب اجتماعية أو نفسية. كما قد تكون وراء التخفي أسباب سياسية وأمنية أو غيرها من الدوافع.وهناك من الدوافع التي يمكن أن يكون لها مبرر معقول على العكس من دوافع أخرى أسبابها غامضة ومجهولة.هذا على العموم ،أما إذا فصَّلنا الأمر،فسوف نجد بأن هذه الظاهرة تمس الرجال والنساء على حد سواء،كما أنها لا تختص بالأدب العربي،بقدر ما هي منتشرة في الآداب الأخرى.قد يكون للمرأة العربية مبررها،عندما تختار لنفسها أسما مستعارا،كأديبة ومفكرة تشق طريقها عبر حواجز القيود والتقاليد الاجتماعية التي تطمس شخصيتها ولا تسمح لأنوثتها أن تكون صوتا أدبيا أو فنيا،يمكن أن ينافس صوت الرجال في وسط اجتماعي ينعت بالذكوري.وهو ما يبرر اختفاء كاتبة عربية عرفت برواياتها الرومانسية الناعمة وراء اسم؛ سميرة بنت الجزيرة العربية بدل من اسمها الحقيقي؛"سميرة محمد خاجقشي"،نظرا للمكانة الاجتماعية والمادية لوالدها ثم لزوجها في ما بعد. ولنفس الأسباب الاجتماعية أيضا تستعير الكاتبة العربية؛"عائشة عبد الرحمان"اسم؛"بنت الشاطئ"مثلما فعلت قبلهما "باحثة البادية"عندما أخفت اسمها الحقيقي؛"ملك حنفي ناصف"ولنفس الأسباب أيضا.أما في الآداب الغربية فقد برزت ظاهرة الأسماء المستعارة منذ بداية عصر النهضة،ولعل القارئ الكريم يدرك أن الكاتب "جون باتيست بوكلين"هو الاسم الحقيقي ل:"موليير"مثلا،وأن"فولتير"هو الاسم المستعار ل:"فرانسوا ماري أرويه"وكلاهما من رواد القرن السابع عشر.أما في العصر الحديث فيمكن أن نلتقي باسم؛"جورج ساند" والذي هو اسم الروائية الفرنسية؛(أمانتين أورور دوبين)وأن روائية الخيال العلمي؛"إليس براولي شلدون"هي التي تحمل اسم؛(جيمس تبتري).أما ظاهرة الأسماء الأدبية المستعارة في الجزائر فإن لها خصوصية ينبغي الأخذ بها،خاصة وأن للظروف السياسية والأمنية دورها في دفع بعض المبدعين إلى اختيار أسماء مستعارة،وذلك بقصد التخفي وراءها،بُغية تفويت الفرصة على القوى المعادية التي تستهدف أشخاصهم،ونقصد بذلك وضعية الأديب الجزائري أثناء فترة الاستعمار،عندما كان القلم المناضل يربك سياسة السلطة الاستعمارية.والأمر لا يختلف كثيرا عن حال الأديب الجزائري أثناء المحنة الوطنية في فترة التسعينيات،عندما كان صوت الأديب والفنان مستهدفا أيضا،لذا وجدنا العديد من الأدباء يحملون أسماء مستعارة.ففي فترة الاستعمار وجدنا الشاعر والمناضل الكبير"الشيخ زكريا بن سليمان"يتخفى في اسم؛"ابن تومرت"ثم يُغيره إلى اسم آخر وهو؛"مفدي زكريا"وكذلك الأمر بالنسبة للمناضل"إبراهيم بن عيسى حمدي"الذي كان يُمْضي أعماله وإبداعاته باسم؛" أبي اليقظان"وغيرهما من أبناء الحركة الوطنية. أما في مرحلة التسعينيات وما بعدها فيمكن أن نقرا الأسماء التالية:ابن الزيبان،بنت المعمورة،ناردين دمون وغيرهم من الأسماء المستعارة والتي أصبحت معروفة الآن نظرا لتراجع أغلب حاملي هذه السماء وإفصاحهم على أسمائهم الحقيقية،أما البقية التي تمسكت بأسمائها المستعارة،أسباب مختلفة،فيمكن دراستها على حدة.إلا أن الغريب في الأمر هو أن يحمل رجلا اسم امرأة،دون سبب مقنع حتى وإن كانت هذه المرأة قرينته، ولم يتراجع على ذلك رغم زوال كل الدوافع الممكنة،ونقصد بذلك الكاتب"محمد مولسهول" المعروف ب:"ياسمينة خضرا".تلكم هي أهم مظاهر الأسماء المستعارة؛أنواعها ودوافعها،وهي الظاهرة التي يمكن الوقوف عندها كميزة عند بعض الأدباء تلحق بهم أو يلجأون إليها للتخفي،ولكل دوافعه ومبرراته.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 02/02/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : شرادة جيلاني
المصدر : www.eldjoumhouria.dz