الجزائر


استخفاف
الحكومة لا تكترث بالتهديدات التي تطلقها النقابات بشن إضرابات في بعض القطاعات وتحديدا التربية والتعليم العالي، بل إن تعليمات الوزير الأول هي التي تعطي المبررات للنقابات من أجل التصعيد، ولعل التعليمات التي أصدرها أويحيى بخصوص إلغاء التنازل عن السكنات الوظيفية ورفض تطبيق نظام التعويضات بأثر رجعي تمثل قرارات بارزة قد تثير حالة من التصعيد في قطاعات التربية والتعليم العالي.
الحكومة لا تقدم أي مبررات ولا تكلف نفسها عناء الرد، فهي تتعامل مع الأمر باستخفاف واضح، وكأن القطاعات المعنية بالإضرابات لا تقدم ولا تأخر، فمنذ سنوات أصبحت الإضرابات في المدارس والجامعات أمرا روتينيا يختزل شهور الدراسة، ويجعل الامتحانات تجري في ظروف أشبه ما تكون بحالة الطوارئ، وتنتهي السنة بتبادل التهاني حيث تعتقد الحكومة أنها حققت نصرا كبيرا بعدم الاستجابة لمطالب المحتجين، في حين يجدد المضربون عزمهم على استئناف الاحتجاج في الدخول التالي وهكذا دواليك. في الجزائر لا وجود لنقاش وطني سياسي أو اقتصادي وعلى أي مستوى حول الخيارات التي يجب الأخذ بها في مختلف القطاعات، فالحكومة تحتكر مهمة التفكير في هذا البلد، وهي لا ترى نفسها ملزمة بشرح قراراتها أو سياساتها للمواطنين أو لممثلي القطاعات المعنية، وهذا الاستخفاف هو الذي يخرب ما بقي من قنوات اتصال بين الحكومة والناس، وإذا كانت الحكومة تعتقد أنها قوية في هذه المرحلة فإنها ترتكب خطأ فادحا لأن كل الرسائل التي تصل من مختلف شرائح المجتمع تحمل إشارات حمراء وتنذر بعواصف، وسوف لن تجد الحكومة مع من تتحدث عندما تحين ساعة الحقيقة. الاقتصاد ليس أرقاما، تسيير الشأن العام ليس الهدف منه الحفاظ على توازنات وهمية لا تتعدى مجرد استنتاجات نظرية ترتكز على إحصائيات صماء، فالتوازن الذي يطيح باستقرار المجتمع، والنجاح الاقتصادي الذي يؤدي إلى اتساع رقعة الفقر، والدهاء السياسي الذي يشيع الشعور بالظلم والمرارة والخداع، لا يمكن أن يسجل كمكاسب سياسية، وحتى إذا توهم البعض بأنهم يسيطرون على الوضع بهذه الأساليب فإن أوهامهم ستسقط سريعا أمام الحقائق المرعبة التي بدأت تكشف عن وجهها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)