الجزائر

احتلته بذريعة السلاح النووي ونشر الديمقراطية أمريكا دمّرت العراق ''الصديق'' وسلمته لإيران ''العدو''



انسحبت أمريكا، أمس، رسميا من العراق مع آخر 500 جندي عبروا إلى الكويت، وبقي آلاف آخرون ليقوموا بمهمات جديدة، لخصت في تدريب الجيش العراقي، لكن الانسحاب الأمريكي خلف وراءه بلدا يغرق في دوامة من الأزمات السياسية والاقتصادية التي لا حصر لها، والأكثـر من ذلك، بعد عشر سنوات من الاحتلال وإسقاط نظام صدام حسين لم يعثـر الأمريكيون في العراق لا على سلاح نووي استخدم كذريعة للحرب، ولا أُهدِيت الديمقراطية للشعب العربي، كما وعد به صقور واشنطن.

احتلال العراق كلّف أمريكا 4 آلاف مليار دولار
الهزيمة العسكرية التي حوّلها التعتيم إلى انسحاب

يشكل الانسحاب الأمريكي العسكري من العراق إعلانا واضحا وإن كان غير معلن لهزيمة أمريكية، خاصة وأنها ثاني عملية كبيرة من نوعها تتم بعد تلك التي عرفتها الفيتنام، والرابعة بعد كل من لبنان والصومال.
 أضحت تكلفة حرب الاستنزاف التي خاضتها أمريكا في العراق  منذ 2003 غير  محتملة، مع أكثر من 4500 قتيل معلن عنه و30 ألف جريح ومعاق وخسائر مالية بـ4 آلاف مليار دولار ، كمحصلة لحملة أرادها المحافظون الجدد تكريسا لهيمنة سياسية واقتصادية أمريكية على المنطقة، بعد إزاحة إحدى القوى الإقليمية الفاعلة التي كانت تسير على نقيض الترتيبات الأمريكية.
وكشفت حرب العراق وتبعاتها مع احتلال بغداد عن التوجهات السياسية الكبرى التي اعتمدتها إدارة الرئيس بوش والمحافظون الجدد، بداية بريتشارد بيرل وبول وولفوفيتس، الذين استلهموا من العديد من المنظرين مقاربات طبقت في العراق من قبيل مبدأ السيادة المحدودة لبريجنسكي والاحتواء المزدوج والصدمة والترويع، إلا أن تبعات الحرب لم تكن وفقا لتوقعات الإستراتيجيين الأمريكيين في 2002 و2003، خاصة بعد أن برزت معادلات داخلية مع ظهور المقاومة العراقية والتدخل الإيراني المعتبر في جنوب العراق بالخصوص.
ورغم إدراج حرب العراق ضمن مفاهيم الحروب اللامتوازية والنزاعات ذات النطاق المحدود، فإن إعلان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن عن انتهاء الحرب في العراق، في الفاتح ماي 2003، ظل افتراضيا، لأن المرحلة التي تلت سقوط بغداد كانت الأعقد والأكثر دموية من الحرب التقليدية التي أدارتها الولايات المتحدة داخل الأراضي العراقية. ففاتورة الحرب مع اقتراب رهانات انتخابية جديدة في الولايات المتحدة لم تعد مقبولة، خاصة وأن الرئيس الحالي باراك أوباما وعد في 2008 بتجسيد الانسحاب من العراق لوضع حد للنزيف المتواصل، علما أن سلفه بوش هو الذي حدد موعد 31 ديسمبر 2011 للانسحاب الكامل.
وفي قراءة متأنية للشأن العراقي، نجد أن واقع الهزيمة العسكرية الأمريكية واضح، ولكن التوجه الأمريكي منذ بداية مؤشرات الانهزام العسكري، كشفت عن سياسة جديدة تتلخص في خوصصة الحرب والتي بدأت معالمها تتضح مع الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمير، ثم مع نيفروبونتي، مع الاستعانة المكثفة بالشركات الأمنية الخاصة والمرتزقة على رأسها بلاكووتر، التي أضحت تشكل القوة الضاربة الفعلية مقابل الحد من تمركز قوات النخبة الأمريكية داخل المدن والاكتفاء بعمليات خاطفة بوسائل تكنولوجية، على غرار ما تم ضد رموز تنظيم القاعدة، من بينهم أبو مصعب الزرقاوي. ومن الواضح أن الانسحاب الأمريكي لن يكون كاملا، وسيظل الإشراف الأمريكي على العراق قائما، مع تفادي الاحتكاك المباشر، فتواجد القوات الأمريكية في محيط العراق خاصة مع القيادة المركزية في قطر والأسطول الخامس في عمان والتواجد الاستخباراتي والأمني في كردستان العراق، سيجعل العراق دوما تحت المراقبة الأمريكية، رغم إعادة انتشار العتاد والتجهيزات منها الطائرات دون طيار إلى قاعدة أنجرليك بتركيا، ومع ذلك فإن الانسحاب الأمريكي سيساهم في تدعيم مواقع إيران في العراق على المدى القصير، التي ستكون الرابح الأكبر من التراجع الأمريكي، وهو الاحتمال الذي تحضّر له واشنطن بطرق أخرى وفقا لسياسات جديدة يتم بلورتها على أساس ما يعرف بالقوة الذكية.

المحلل السياسي العراقي، صباح ناهي لـ الخبر
أمريكا حوّلت العراق إلى بلد مهدد في وجوده
- أمريكا أخرجت العراق من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي
- 15 ألف جندي تم تحويلهم للخدمة المدنية في السفارة الأمريكية
يرى المحلل السياسي العراقي المقيم بدبي، الدكتور صباح ناهين، أن الإدارة الأمريكية كسبت من احتلالها للعراق، تحييده من الصراع العربي الإسرائيلي، وجعلته دولة محطمة بدون مشروع وأكثر من ذلك، جعلته دولة غير معادية للمشروع الأمريكي في المنطقة كما كان.
قال الدكتور صباح ناهي في حوار مع الخبر عبر الهاتف، إن الاحتلال الأمريكي سحب كل جنوده وآلياته أمس، لكن لحاجته الأمنية فقد حوّل بضعا منهم كمدنيين وجرى ضمهم كموظفين في السفارة الأمريكية ببغداد. وسألت الخبر المتحدث عن عددهم فأجاب عددهم 15 ألف موظف، وهؤلاء هم الآن موظفون مدنيون في السفارة، لأن الحكومة العراقية رفضت منح الجنود الأمريكيين الحصانة الدبلوماسية .
وردا على سؤال يخص الفائدة التي جنتها الولايات المتحدة من حربها على العراق وفي النهاية تم تسليمها لإيران، العدو المفترض لأمريكا، قال الدكتور صباح ناهي إن الزعم بتسليم العراق لإيران فيه شيء من الغلو، لأن العراق في كل الأحوال لا يستطيع إلا أن يتعامل مع دولة إيران، فلهما حدود مشتركة بطول 1300 كلم، ثم إن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا قال كلاما يفهم منه أن واشنطن لن تترك العراق، عندما تحدث عن دعم لوجستيكي للعراق متى دعت الحاجة إليه، من ضمنه تقديم المساعدة العسكرية لحماية الحدود البرية والجوية .  وبرّر المتحدث الخروج الأمريكي من العراق بـ وجود رغبة ذاتية لدى الإدارة الأمريكية في ظل حكم الحزب الديمقراطي للتخلص من الصداع العراقي، بسبب أن الديمقراطيين معروفون باهتمامهم بالشؤون الداخلية على حساب الشؤون الخارجية . واعترف الدكتور صباح بأن الأمريكيين اكتشفوا في النهاية أن القوى التي دعموها خرجت عليهم وأصبحت تفكر في واد آخر . وأشار إلى أن العراق في ظل الإدارة الحاكمة ليس له توجهات غربية وإنما توجهات مذهبية طائفية .
وفي هذا السياق، لم ينف الدكتور صباح ناهي مدى فائدة إيران الكبيرة من خروج الجيش الأمريكي من العراق، حيث أوضح بالقول إيران لديها الآن مصالح ضخمة في العراق، اقتصادية وسياسية ودينية، ولديها أتباع موالون لها .
وأجاب المحلل السياسي العراقي، صباح ناهي، على سؤال الخبر حول فائدة العراق من خروج الاحتلال الأمريكي بقوله إن العراق لم يستفد شيئا، وأنا أعتقد أن الخروج الأمريكي تم في توقيت خاطئ، لأن العملية السياسية لم تكتمل، فهناك حالة صراع وتصادم مذهبي وطائفي، والعراق الآن في حالة تشرذم وتناقض في التوجهات، كما أن حدوده غير مؤمّنة وبنيته التحتية محطمة، واقتصاده منهار ولا يعتمد سوى على إيرادات النفط التي تقدر بـ110 مليار دولار .
وسجل المتحدث أيضا أن العراق اليوم هو دولة مهددة في وجودها أصلا داخليا وخارجيا، وبالإمكان أن تنقسم إذا استمر الصراع قائما في الداخل، أما خارجيا فأغلب جيرانه ينظرون إليه بعين الشك، فعلاقة العراق مثلا بالسعودية والكويت والأردن سيئة، وعلاقة العراق بإيران غير واضحة بما فيه الكفاية، لأن الإيرانيين يشككون في نوايا العراقيين، وتركيا لديها مشاكل مع أكراد العراق .

آخر جندي أمريكي خرج من العراق  عبر بوابة الكويت
غادر آخر الجنود الأمريكيين العراق، صباح أمس، وكان جنود اللواء الثالث من فرقة سلاح الفرسان الأولى آخر من اجتاز الحدود العراقية الكويتية، بعد نحو ثماني سنوات وتسعة أشهر من عبور القوات الأمريكية للحدود ذاتها في الاتجاه المعاكس في بداية عملية تحرير العراق .
وغادر الموكب الأخير الذي ضم 110 آليات تحمل على متنها 500 جندي معسكرا يبعد حوالي 350 كلم عن المعبر الحدودي العراقي الكويتي الذي لفته الأسلاك الشائكة.
وقال الجندي مارتن لمب لدى وصوله إلى المعبر الحدودي إنها لحظة تاريخية ، فيما رأى زميله جوزيف الذي فضل عدم الكشف عن اسم عائلته إن العراقيين سيستفيقون اليوم ولن نكون نحن هناك .
وسيبقى في العراق 157 جندي من الجنود الأمريكيين يساعدون على تدريب القوات العراقية ويعملون تحت سلطة وإشراف السفارة الأمريكية، إضافة إلى فرقة صغيرة من المارينز مكلفة بحماية بعثة بلادها الدبلوماسية.
ويأتي الانسحاب الأمريكي تطبيقا لاتفاقية أمنية وقعت عام 2008 بين بغداد وواشنطن، علما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكد في أكتوبر الماضي الانسحاب الكامل إثر رفض العراق منح آلاف الجنود الأمريكيين حصانة قانونية.
وبعد أن بلغ عدد الجنود الأمريكيين ذروته عام 2007 بانتشار 170 ألف جندي انهمكوا في محاربة التمرد المسلح، بقي حوالى 50 ألفا منهم لدى انتهاء العمليات القتالية في أوت ,2010 انشغلوا بتدريب القوات العراقية.

قرابة مليون مسلح عراقي لضمان  الأمن بعد خروج الاحتلال
 يشكك مراقبون في قدرة قرابة مليون عراقي في ضمان أمن البلاد، بسبب التوترات ذات البعد المذهبي والسياسي في البلاد، ويبلغ عدد رجال الأمن المكلفين بضمان الأمن عقب الخروج الأمريكي، حوالي 900 ألف شخص، جاهزين مبدئيا للتعامل مع الآمن الداخلي، إلا أن مسؤولين عراقيين وأمريكيين يشككون في قدرة هؤلاء على حماية حدود البلاد البرية والبحرية وخصوصا الجوية، حيث لا يملك العراق أي دفاعات حقيقية ويعتمد فقط على عدد محدود من المروحيات. وفي موازاة ذلك، يواجه العراق، والذي يصدر حوالي 2,2 مليون برميل يوميا، محققا عائدات شهرية بقيمة سبعة مليارات دولار، عجزا في تأمين الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه النظيفة. كما يلوح أمام العراق خطر تدهور الوضع في سوريا المجاورة التي تشهد حركة احتجاجية منذ منتصف مارس قتل فيها حوالي 5 آلاف شخص، وفقا للأمم المتحدة، وإمكانية وصول متشددين سنّة إلى الحكم فيها، إضافة إلى احتمال سعي إيران الشيعية لتوسيع نفوذها في البلاد بعيد الانسحاب الأمريكي.

مقتل 2, 1 مليون عراقي بسبب الاحتلال الأمريكي
 لا توجد أرقام دقيقة بخصوص تكلفة الحرب الأمريكية على العراق التي دامت قرابة تسع سنوات، ولكن هناك أرقام تقريبية، حيث تشير الإحصائيات المتوفرة إلى مقتل 2, 1 مليون عراقي على الأقل، وفق إحصائيات غير رسمية، من بينهم مدنيون والجنود وعناصر الشرطة العراقيون. وتسببت الحرب في تهجير مليون ونصف مليون عراقي داخل البلاد، بينما هجر عدد أكبر من العراق باتجاه دول الجوار ودول أوروبية وغربية.
أمريكيا، قتل حوالي 4474 جندي أمريكي حسب الأرقام الرسمية، بينما تشير مصادر أخرى إلى مقتل أكثر من 45 ألف جندي، وانتحار حوالي 2000 جندي، وذلك إلى جانب إنفاق حوالي 4 آلاف مليار دولار من الجانب الأمريكي. في حين شارك في الحرب على العراق منذ بدايتها عام 2003 وإلى غاية أمس مليون ونصف مليون جندي.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)