الجزائر

إيران وهمبرغر الشرق



إيران وهمبرغر الشرق
كل الأفرقاء في مختلف الجبهات، يتوسّلون الله أن يسدّد رميتهم ويريهم في خصومهم يوماً أسود تنتظمه نساء أرامل وأطفال يتامى و ”ديار كانت قديماً دياراً”، وإذ نسأل: ولمَ هذا كلّه وفي الأرض متّسع للحياة والمسرة والعيش المشترك؟ يرتفع هتاف زاعق ويصبح البحث في معضلات التخلّف دليل إدانة ومبرر استهداف.لا يكفّون عن الهذر باسم العناية السماوية، ولا عن إلحاق الأذى المعنوي بالإسلام، ومن غير حصافة. ثمة من يقحمون الله بغير علم في متاهة التأويل العدمي للنص ومزالق الاختلاف في رواية السير، لتغدو مجتمعاتنا وسطاً بين مدية ورمح، ولكلّ من الوسيلتين مذهب ومشجب، وهما - المذهب والأيديولوجيا - ينهلان من ثقافة عصبوية ثرية الإرث متجدّدة المنابع.صحيح أن للتخلّف ضريبة واجبة الأداء في مختلف التجارب الإنسانية، ولكن الأصحّ أن شعبنا العربي يدفع هذه الضريبة أضعافاً مضاعفة، بحكم سياسة الاستثمار الغربي المكرّسة على استدامة ضعف أمة لا تُعنى بترميم جدرانها الداخلية وردم الفجوات المؤسفة بين نظمها السياسية.كيف للشيطان بالدفاع عن نفسه إن لم يكن شيطاناً؟ أقصد إن لم يكن على هذه الشاكلة من المرونة والخفّة والتعامي عن ثقافة الكراهية في مكان ومكافحة الإرهاب في مكان مجاور، ضمن جغرافيا بلد فقير منهك اختارته الأقدار قريباً من آبار النفط وصاغته ممراً للابتزاز وضحية للحروب، خصوصاً الحروب بالوكالة. بيد أن لهذا اللون من الحروب اشتقاقات متعددة، وأن تخوضها الحماقات المحلية في بلداننا العربية تعبيراً عن حالة من حالتي الاجترار التاريخي، فلا مشكلة في تعريف الأمر وتفسيره اعتماداً على المرويات المتداولة منذ يوم السقيفة. لكن، ما الذي يستحثّ أصولية إمبراطورية تنطلق من قومية غير عربية للنفخ في بالون الصراعات المذهبية لأمتنا العربية؟!ماذا يعنيها من الإمام علي أو يشغلها في الخليفة عثمان أو يغيظها لدى معاوية؟ ولماذا تقبل الاستدراج إلى بدايات تنتهي في مكان خارج سياق الموضوعية الاستراتيجية لعلاقات الدول الواقعة تحت سقف تحديات مشتركة تتعلّق بأولويات التنمية البشرية والكفاية الغذائية لشعوبها؟ ما الذي يجبرها على إضاعة الوقت والجهد والمال في شؤون ليست شؤونها، مع علمها أن تصابي الإمبراطوريات - المحدودبة الظهر - يصبُّ في خدمة المشروع الإمبريالي الصهيو - أميركي في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمنح أياً من هذه الإمبراطوريات نفوذاً حقيقياً مستقراً كالذي يتراءى في شريط ذكرياتها الملتبسة؟من غير الشيطان الأكبر يتحرّك على مسرح عمليات النظام العالمي الجديد، ومن سواه يذكي التطلعات الإقليمية المتسلّلة إلى اليمن والخليج، ومن غيره يغذي بؤر الصراعات المذهبية والنزاعات العرقية والطائفية المستخدمة على مرسم خريطة الإبدال والإحلال الموجّهة لإضعاف مقومات الدولة الوطنية وتفكيك روابطها الجمعية والإضرار بحقها في ممارسة القرار السيادي وتوجيهه، ومن ثم توطين منظومات القيم الاقتصادية والسياسية الكفيلة بفرض أنماطها الاستهلاكية واقتلاع الأمة العربية من جذورها؟ليس في وارد الجمهورية الإيرانية لعب دور وثيق الصلة بتقاليد النظم السياسية العريقة، ولا أتصوّر أن إعاقات جوهرية اعترضت سبيلها لهذه الغاية، لكنها تبحث عن إرثها الإمبراطوري في أدغال التاريخ، وهي تبني افتراضاتها على هامش المشاعيات الأميركية في المنطقة العربية.ولا شك في أن معطيات الواقع الإقليمي لا تفصح عن استنتاجات أخرى غير إعجاب العم سام بالقفاز الإيراني الملائم لظروف العمل في بيئات موحلة: العراق، سورية، لبنان، اليمن، وصولاً إلى الأماكن المقدّسة والممرّات الاستراتيجية والثروات النفطية والمعدنية.الشيطان كما صوّرته مخيّلة هوليوود أو على حدّ تعبيرات الأوغاريشيا الصاخبة، لا يتأذى من الخطاب الاستهلاكي (الموت لأميركا. اللعنة على اليهود) قدر انزعاجه من الرؤى العقلانية المتّزنة وبوادر تحرُّر الشعوب من الارتهان لثقافة الإبهار التكنولوجي والاستلاب الثقافي والاقتصادي.بهذا المعنى يمكن فهم حقيقة الاستمتاع الأميركي بشعار (الموت لأميركا) وحرصها على مكافأة أصحاب الشعار والجلوس مع موفدهم إلى مسقط، وفقاً لترتيبات إيرانية أكدت توالي المهام وتراتب الأدوار على المستويين المحلّي والإقليمي ومن ثم الدولي. ومن يدري، فربما تحوّل الدور الإيراني إلى فرن حراري يستعمله الأميركيون لإنضاج همبرغر الشرق الجديد؟




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)