يعيش عالم الفلاحة تحت وقع خطر جفاف يلوح في الأفق، غير أنّ التّطمينات التي بعثها رئيس الدولة في رسالته الأخيرة للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين حملت نفسا جديدا لهذا القطاع ليستفيد من دعم مناسب من شأنه أن يحافظ على التوازنات الكبرى للقطاع، في ظل ازدياد الحاجة الاقتصادية والغذائية لكافة فروعه الإنتاجية من أجل الرفع من القدرات الوطنية للأمن الغذائي والتقليص من فاتورة الاستيراد.ومن الطبيعي أن تتّجه الأنظار إلى الفلاحة على أمل أن تسجّل مستويات جدية لتساقط الأمطار في الأيام والأسابيع القادمة، لينطلق الموسم الزراعي ولو بوتيرة متواضعة ليتدارك فيما بعد بمختلف أنواع التدخل من سقي مكمل وتعويض الخسارة المتوقعة في المحاصيل بالاستثمار في أنواع زراعية بديلة أو العمل على تكثيف الإنتاج في مواد أخرى تقاوم الجفاف، الذي لا ينبغي أن يكون ذريعة للالتفاف على واقع القطاع، خاصة من أطراف ومتعاملين يزعجهم التحسن في المؤشرات الفلاحية، ويخشون من بناء منظومة غذائية محلية تقطع الحبل السري للاستيراد.وحتى يمكن للفلاحة أن تخرج بأقل ضرر من التقلبات المناخية السيئة جراء شح السماء، ينبغي أن تلعب قطاعات أخرى دورا بارزا في إرساء منظومة للدعم والمرافقة لا تقتصر فقط على الجانب المالي والتعويضات عن الخسائر المحتملة، إنما يتعلق الأمر هنا بالمؤسسات التي تتكفل بالسدود والتحويلات المائية، وكذا تلك التي تنتج أجهزة وعتاد السقي الاقتصادي، على اعتبار أنّ المسألة ترتبط في هذا الظرف بالذات بمصلحة وطنية ذات طابع استراتيجي تتطلب تكاتف الجهود، وتجنيد الإمكانيات المتاحة بشرية ومادية لرفع التحدي.وانطلاقا من هذا المفهوم، ينبغي أن تعيد المؤسسات الصناعية التي تتدخّل في الشأن الفلاحي أوراقها بروح مواطنة نزيهة تقتضي التقليص من هوامش الربح، والتركيز في بناء الأسعار على مؤشرات الكلفة الإنتاجية، واعتماد هامش بسيط وعقلاني طيلة الموسم بما يغطي مختلف النفقات والمصاريف في موقف يجسّد رد الجميل للاقتصاد الوطني، الذي لم يبخل إطلاقا على المتعاملين والمستثمرين من خلال مختلف أنواع الدعم والتحفيز والمراقبة خاصة المالية منها، والتي بلغت أرقاما قياسية في السنوات الأخيرة.كما يقفز دور السدود وقطاع الموارد المائية عامة إلى صدارة المشهد ليكون طوق نجاة يمكنه أن ينتشل المساحات الزراعية، خاصة ذات الطابع الاستراتيجي من حيث المساحة والمنتوج من دائرة الخطر، وتمكين الفلاحين من تجاوز المنعرج المناخي شديد الوطأة إلى حين إدراك بر الأمان، فيما يجب أن تسارع الدوائر المعنية بتنمية البحث العلمي في قطاع الزراعة والإنتاج الفلاحي لتقديم مخططات لتامين الدورة الإنتاجية من حيث حماية مساهمة الفلاحة في وتيرة النمو، وتأمين السوق الغذائية الداخلية والرفع من حجم التصدير لبعض الفروع مثل التمور والخضر التي تعتمد نظام إنتاج طبيعي يعطي له قوة تنافسية في الأسواق الخارجية خاصة أوروبا.وبالفعل تتوفّر السدود الكبرى والمتوسطة على احتياطي مائي معتبر بفضل نسبة امتلاء بلغت أكثر من 66 بالمائة تعادل 4.7 ملايير متر مكعب، يمكنها أن تقلّل من العجز المسجل في تساقط الأمطار الموسمية، علما أنّ سد بني هارون بميلة مثلا عرف مؤخرا ملاءة قصوى مما اضطر القائمين عليه اللجوء إلى تفريغ كميات هائلة من المورد الثمين تبددت في الضياع، بينما كان يمكن أن توجّه إلى الاستغلال الاقتصادي الزراعي بالأساس لو كانت هناك منظومة تحويل فعالة وناجعة تدعّمها أنماط سقي اقتصادية يجب أن يتعامل بها الفلاح اليوم.ويثير هذا الوضع مدى أهمية إرساء تنسيق وتكامل بين القطاعات التي تتدخّل في مثل هذه المسائل الهامة والمصيرية، وذلك بضرورة ارتفاع درجة الوعي والشعور بالمسؤولية ليس على مستوى مؤسسة أو قطاع، إنما على مستوى منظومة اقتصادية وقطاعات متداخلة برؤية تتجاوز الإطار الوظيفي أو المحلي الضيق. وأمر طبيعي أن يتحول إنقاذ الموسم الفلاحي الجاري إلى مسألة وطنية تعني كافة الدوائر التي تتدخل مباشرة أو غير مباشرة في النشاطات الفلاحية وأولهم بالطبع الفلاحون أنفسهم، الذين لا تخيفهم مثل هذه الظروف المناخية الطارئة بقدر ما تشحذ الهمم لديهم، فيبادرون بالتشمير على السواعد المفتولة لإبعاد كابوس جفاف توجد أكثر من طريقة لتجاوز تداعياته، وأولها إتقان العمل والسهر على انجاز العمليات الاستثمارية بروح ترتكز على ترشيد النفقات وتثمين الموارد المتاحة، وهي موجودة على قلتها.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 02/01/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سعيد بن عياد
المصدر : www.ech-chaab.net