شريعة الله إلى الناس واحدة، ورسالته إلى الأنبياء خالدة، تمتد جذورها إلى الإنسان الأول وهو آدم أبو البشر. وتنتهي فروعها بانتهاء هذا الجنس البشري، وقيام الناس لرب العالمين.
وإذا كان محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الرسل والأنبياء؛ فإن رسالته لا تزال متصلة إلى يوم الناس هذا، يحملها خلفاؤه والعلماء من أمته على توالي الأجيال والقرون...
ولقد شرع الله للإنسانية دينًا واحدًا في جوهره وأصوله، لم يتغير بتغير الأنبياء. ولم يتبدل باختلاف الأزمنة والعصور؛ بل كان أساسه توحيد الله والإخلاص في عبادته، وكانت دعائمه توزيع العدالة بين الناس، وتنظيم العلاقة بين الفرد والجماعة، وتربية الضمير1 الديني ليكون بين يدي الناس ومن وارئهم قانونًا يحكم ويلزم، ويراقب ويحاسب.
وهكذا كان الأنبياء جميعًا منذ أبيهم آدم -عليه السلام- إلى خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-
هم الظل الظليل الذي هيأه الله ليفيء1 الناس إليه، وينعموا به جيلًا بعد جيل. بل هم المنارات الساطعة التي تظهر معالم الحق، وتكشف المكنون من الأسرار، وتضع أبصار الناس وبصائرهم على طريق الهدى والنور..
وإلى هذا المعنى الذي تحدثنا عنه وهو اتحاد الديانات السماوية في جوهرها وأصولها، يشير القرآن الكريم في مثل قوله تعالى في سورة الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}2، وفي مثل قوله في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}3.
ويسوغ لنا على هذا الأساس أن نعتبر الكتب السماوية جميعًا ومن حيث ما تتضمنه من المبادئ الدينية الأساسية والمثل الأخلاقية كتابًا واحدًا تتعدد أبوابه ولكن تتوحد أهدافه ومراميه، وتختلف الأساليب في فصوله ولكن تتفق دلالاته ومعانيه، ولعل هذا هو ما يفهم من القرآن الكريم حينما يتحدث عن الدين بوجه عام فيقول: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} 4، ويقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ
دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} 1، ويذكر وصية إبراهيم لبنيه حينما قال لهم: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}2.
فالإسلام هو الدين الخاص الذي يدعو إلى عبادة الله، والانقياد لأمره وتقواه، مهما تعدد الأنبياء وكثرت الدعاة.
ولأن مشيئة الله سبحانه قد سبقت بأن يجعل دين محمد صلى الله عليه وسلم دين العالمين؛ فقد أخذ الله العهد والميثاق على الأنبياء بأن يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- إن جاءهم، مصدقًا لما أنزل عليهم. وكان معنى ذلك تنبيه الأمم والشعوب التي ستدرك زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الإيمان به والتصديق بدعوته؛ لأنها دعوة الحق الذي لا يأتيه الباطل، ولأنهما الدعوة العالمية التي كتب الله لها الخلود ما دامت السموات والأرض وما بقي هذا الوجود..
وفي ذلك يقول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ} 3.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/02/2011
مضاف من طرف : fakhri
صاحب المقال : أحمد
المصدر : مكتبة المدينة المنورة