إذا كان هناك من سمة يوسم بها العصر الحالي ، فهي لا شكّ عهد الطرح المكثف، والتدفق غير المسبوق للمنتوجات والخدمات ، وحمى استهلاكها المتنامية.
وإذا كنا لا ننكر الأريحية التي وفرتها المقتضيات والمبتكرات الجديدة لحياة الإنسان في حلِّه وترحاله ، فإنّها وفي المقابل لا تكاد تنسينا المخاطر والأضرار التي باتت تحملها في ثناياها بين الفينة والأخرى.
وهو ما تنبهت إليه المدنيات الغربية ، والتي ذهبت إلى تأسيس وبمعزل عن القواعد العامة لنظام قانوني لمساءلة المنتجين ومن في حكمهم عن الأضرار التي ترتبها منتوجاتهم المعيبة من خلال نظام شامل وصارم ، ووفق سياسة تشريعية ترنو في المقام الأوّل للانتصار إلى حق ضحايا حوادث الاستهلاك في التعويض الكامل والفعال.
وفي الجزائر ، ومنذ التسعينات من القرن الفائت ، باشرت السلطات العمومية سياسة تشريعية مهمّة في مجال حماية المستهلكين ، فتداولت النصوص ، الواحدة تلو الأخرى ، على مسؤولية توفير أطر الحماية ، من دون النص على نظام قانوني مستقل لمساءلة المنتجين، إلى غاية تعديل القانون المدني بموجب القانون 10/05 المؤرخ في 20 يوليو 2005 ، والذي أسست مادته 140 مكرر ، لنظام لمسؤولية مفترضة للمنتج ، مؤسسة على فكرة الضرر ، والمفتوحة لكل ضحايا أفعال المنتوجات المعيبة ، وبغض النظر عن العلاقة التعاقدية التي تربطهم بالمسؤول عن الضرر.
وإذا كان الكثير من المشتغلين على موضوع مسؤولية المنتج تغريهم إشكاليات: الأساس الطبيعة القانونية والأحكام الإجرائية لمداعاة المنتج ، والآثار المتمخضة عن إثارة مسؤوليته ، فإنّهم وبلا شكّ ينسون أو يتناسون إشكالية خطيرة ومهمّة تتعلّق بالمفاهيم والمصطلحات المحورية التي ترتكز عليها المسألة ، فعبارات على شاكلة : المنتوج ، المنتج ، المستهلك ، عيوب الإنتاج وغيرها ، حرية بأن تثير فينا الفضول لمناقشتها وتحديد أبعادها ومضامنها. كيف لا ، وهي مفاهيم دخيلة على علم القانون ، نجهل عنها الكثير ، نشأت ونمت في عالم الأعمال ، وسرعان ما غزت عالمنا القانوني ، فأصبحت من أدبياته، ليس فقط في مجال قانون الأعمال ، وإنّما في الشريعة العامة (القانون المدني).
ليس هذا فحسب ، بل بالنظر للنقاش الذي أثارته في كواليس وعلى منابر المؤتمرات والاتفاقيات المهتمة بالموضوع والأكثر من ذلك هو ذلك الاستعمال غير الموحد للتعاريف من لدن المشرع الجزائري في مختلف القوانين الناظمة والملامسة للمسألة، وكان يمكن أن يبدّد ذلك الغموض والشكّ في تلك القوانين لولا شحّ الأعمال التحضيرية وقلّة المصادر المالية، وصعوبة تتبع آثار النص القانوني ، كلّها عقبات تجعل لهذه الدراسة مبررا ومصوغا ، وتؤهلنا بعد ذلك لإدراك الأهمية التي يمثلها توحيد المفهوم وتدقيق مضمونه لرسم ملامح نظام قانوني مستقلّ لمساءلة منتجي السلع ومقدّم الخدمات عمّا يلحقونه بجمهور المستهلكين والمقتنيين من أضرار
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/03/2023
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - قادة شهيدة
المصدر : مجلة البحوث والدراسات القانونية والسياسية Volume 1, Numéro 2, Pages 18-37 2011-06-01