تملك المفاهيم بعدين أساسيين متداخلين: البعد التاريخي والدلالي. هذا التداخل يؤكد أن المفهوم كائن فكري يولد بفعل ظروف معينة تلونه بمحتويات تصورية محددة، تتجدد وتتغير باستخدامه المتبدل حسب السياقات التاريخية والمنطلقات الفلسفية. وكل محاولة للاقتراب من مضمون أي مفهوم يتطلب الاستعانة بمفاهيم أخرى، وهذا ما نلاحظه بشكل دقيق في مصطلح " الفضاء العمومي".
إن الإمساك بمضمون أو بمضامين أي مفهوم يتطلب المعرفة بتاريخه. فعلى الصعيد التاريخي يمكن القول أن مفهوم الفضاء العمومي يعود إلى الفيلسوف الألماني كانط. و يقصد به الحيز الفيزيائي: شارع، وساحة عامة، وسوق، وكنيسة، ومدرسة، وجامعة، أي المكان الذي يمكن أن نلتقي فيه بالناس. ومنذ القرن 16 و17 أكتسي الفضاء العمومي بعدا رمزيا، وهذا بفضل الفرز الحاصل بين المقدس والوضعي أو الزمني، و الاعتراف بحقوق الفرد إزاء السلطة المطلقة. وتشكل تاريخيا أثناء فلسفة الأنوار كحلقة وصل بين المجتمع المدني والدولة، وتبلور أكثر بفضل بروز صحافة الرأي وتزايد الدور النقدي الذي تقوم به كما سنوضح ذلك لاحقا.
لكن بالنظر إلى كثرة استخدام مفهوم " الفضاء العمومي" في كل مقام، يبدو أنه أصبح بمثابة كيس يختلف شكله ومحتواه بما يُحشى به! وهكذا وقع ضحية نجاحه، كما يؤكد الباحث ألن جيرو في أطروحة دكتوراه التي ناقشها في السنة 2000 تحت عنوان: تحولات الفضاء العمومي والبناء الإعلامي للرأي العام.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/05/2023
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - نصر الدين لعياضي
المصدر : الصورة والاتصال Volume 1, Numéro 1, Pages 144-172 2012-09-01