كان على الجزائر غداة الاستقلال سد الفراغ في مختلف المؤسسات التعليمية في أطوارها الثلاثة، وكان لزاما عليها أن تسابق الزمن، فعملت على تمهين التعليم، وقد خصصت مبالغ طائلة في إنجاز المؤسسات التكوينية، وإلزامية التعليم وديمقراطيته، وإصلاح المنظومة التربوية نظرا للميزانية المخصصة لوزارة التربية. واعتمدت في البداية على متعاونين أكفاء من بلدان عربية وأجنبية، وأصبح الانتقاء لا مفر منه للالتحاق بالمعاهد التكنولوجبة للتربية. وقد سهرت هذه المؤسسات على أن يكون المعلم ذا ثقافة واسعة واطلاع مستمر لتحيين معارفه وتحسين مستواه في مختلف مجالات الحياة وإكسابه أكثر من لغة حية، ومتمكنا من مادة تخصصه. وأن يكون أداؤه التربوي والبيداغوجي جيدا في مختلف مناهج البحث وطرق التدريس، وأن يكون له زاد وفير في علم النفس التطوري، وعلم نفس الطفل، والمراهقة ومشكلاتها، وأن يكون على بينة من الصحة النفسية للمعلم والتلميذ، وله معرفة بالتشريع المدرسي وأخلاقيات المهنة، ولا يمكنه أن يمارس مهنة التعليم إلا بعد تربصات وتدريبات عملية في مؤسسات تطبيقية. وبعد الانتهاء من تكوينه، يعين بإحدى المؤسسات التربوية اللائقة المجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية وبطواقم متخصصة في الإرشاد والتوجيه وعلم النفس الإكلينيكي.. ولن تتوقف آفاق المعلم عند هذا الحد والحصول على الشهادة إذ لابد له من متابعة تكوينه مدى الحياة في إطار الخدمة، فيواصل تكوينه البيداغوجي والعلمي والثقافي من خلال الأيام الدراسية والندوات التربوية، والورشات التكوينية والتكوين المستمر. غير أن الأمور تقهقرت إبان العشرية السوداء، فهدمت المؤسسات التعليمية، وأزهقت أرواح العديد من المعلمين والمعلمات، وهجّر قاطني القرى والمداشر، وأحرقت الكتب والأدوات المدرسية، فكان التشريد والدمار والخراب والعزوف عن متابعة الدراسة.كما أن النزوح إلى المدن الكبرى جعل المؤسسات التعليمية عاجزة عن استيعاب العدد الهائل من التلاميذ، وأدى إلى اكتظاظ الأقسام وفتح الأقسام المشتركة ونظام الدوامين والنقص الفادح في الأطر التعليمية الكفأة، الأمر الذي أدى إلى تدهور وانتكاسة التعليم التي لا زالت آثارها لم تندثر بعد، رغم بوادر التعافي. مع أن ما تسعى إليه الجزائر هو إنشاء مدرسة جزائرية حديثة توفر فيها للمعلم والمتعلم جميع المطالب والحاجات، وتعد أبناءها لمستقبل زاهر، يقينًا منا أن الاستثمار في مجتمع المعرفة يساهم في التنمية المستدامة لأي بلد في وسط عالم متغير
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/11/2023
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - مكي محمد - الماحي زوبيدة
المصدر : أنثروبولوجيا Volume 3, Numéro 2, Pages 132-150 2017-09-01